للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَصْلُ الْخَامِسُ: قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ جَعَلَ قِيمَتَهُ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِعِتْقِهِ، فَدَلَّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حُرٌّ قَبْلَ دَفْعِ قِيمَتِهِ. قِيلَ لِلْمُزَنِيِّ: لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قِيمَةَ حِصَّةِ الشَّرِيكِ مُعْتَبَرَةً بِوَقْتِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا، لَكِنْ لَا يَدُلُّ اعْتِبَارُهَا بِالْعِتْقِ عَلَى وُجُوبِهَا وَقْتَ الْعِتْقِ، كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ إِذَا سَرَتْ إِلَى نَفْسِهِ، اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ وَجَبَتْ بِمَوْتِهِ، وَكَالضَّارِبِ بَطْنَ الْأَمَةِ، إِذَا أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا اعْتُبِرَتْ دِيَةُ جَنِينِهَا بِقِيمَتِهَا وَقْتَ ضَرْبِهَا وَإِنْ وَجَبَتْ بِإِلْقَائِهِ مَيِّتًا. وَقَدْ أَطَالَ الْمُزَنِيُّ فَأَطَلْنَا وَلَوِ اخْتَصَرَ كَانَ أَوْلَى بِهِ وَبِنَا وَإِنْ مَضَى في خلال الكلام أحكام مستفادة.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: (وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ مسلم وكافر (قال المزني) وقد قطع بعتقه قبل دفع قيمته وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ جَعَلَ قِيمَتَهُ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِعِتْقِهِ فَدَلَّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الوقت حر قبل دفع قيمته) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَخْلُو حَالُ الْعَبْدِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ إِذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أن يكون بين مسلمين يعتق أحدهما حصته فَاعْتِبَارُهُ بِيَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ، فَلِلْعَبْدِ حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ كَافِرًا، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمَا فِي عِتْقِهِ، مَا لَمْ يَتَحَاكَمُوا فِيهِ إِلَيْنَا، فَإِنْ تَحَاكَمُوا فِيهِ إِلَى حَاكِمِنَا فَفِي وُجُوبِ حُكْمِهِ بَيْنَهُمَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ وَيَكُونُ فِيهِ مُخَيَّرًا وَهُمْ فِيهِ مُخَيَّرُونَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الِالْتِزَامُ، وَيَحْكُمُ بِمَا يُوجِبُهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا. فَعَلَى حَاكِمِنَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَعَلَيْهِمَا الْتِزَامُ حُكْمِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِحَقِّ الْمُسْلِمِ، فَيُنَفَّذُ عِتْقُ الْمُعْتِقِ وَيُنْظَرُ حَالُهُ.

فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَقِيلَ يَسْرِي عِتْقُهُ بِلَفْظِهِ، لَمْ يُعْتَرَضْ عَلَيْهِ فِي دَفْعِ الْقِيمَةِ، مَا لَمْ يُطَالِبْ بِهَا الشَّرِيكُ، وَكَانَ لَهُ جَمِيعُ وَلَائِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، لِأَنَّهُ كَالنَّسَبِ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَا يُعْتِقُ حِصَّةَ الشَّرِيكِ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ أَوْ إِنَّهُ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى، فَعَلَى الحاكم أن يأخذ المعتق ليتعجل القيمة لتعجيل بِهَا عِتْقَ الْمُسْلِمِ وَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ رِقٌّ لِكَافِرٍ، فَإِنْ عَجَّلَهَا وَإِلَّا أَخَذَهَا الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ جَبْرًا، فَإِنْ قَبِلَهَا الشَّرِيكُ وَإِلَّا أَعْتَقَهَا عليه حكما.

<<  <  ج: ص:  >  >>