للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِقٍّ، وَلَا رِقًّا إِلَى حُرِّيَّةٍ، أَلَا تَرَى لَوْ عُيِّنَ الْعِتْقُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ لَمْ يُنْقَلْ بِالْقُرْعَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ.

وَإِنَّمَا يُقْرَعُ إِذَا أَطْلَقَ الْعِتْقَ فِي السِّتَّةِ، وَاسْتَحَقَّ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ دَخَلَتْ لِتَمْيِيزِ مَا يُعْتَقُ، وَيُرَقُّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْقُرْعَةَ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ الْأَزْلَامِ الَّتِي هِيَ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي الْأَزْلَامِ أَنَّهَا هِيَ الْآمِرَةُ، وَهِيَ النَّاهِيَةُ، وَكَانُوا يَكْتُبُونَ عَلَى أَحَدِهِمَا: أَمَرَنِي رَبِّي، وَعَلَى الْآخَرِ: نَهَانِي رَبِّي، وَآخَرُ يَجْعَلُونَهُ عَقْلًا، وَيُجْرُونَهَا مَجَارِيَ النُّجُومِ الَّتِي يَعْتَقِدُ الْمُنَجِّمُ أَنَّهَا هِيَ الْفَاعِلَةُ، فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِإِبَاحَةِ شَيْءٍ مِنْهَا.

وَالْقُرْعَةُ مُمَيِّزَةٌ لِحُكْمٍ وَجَبَ بِالشَّرْعِ، لِأَنَّهَا قَدْ عَمِلَ بِهَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الشَّرْعِ، وَوَافَقَ عَلَيْهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُجْعَلَ الْقُرْعَةُ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا مَجْرَى الْأَزْلَامِ الَّتِي نَهَى الشَّرْعُ عَنْهَا.

وَالِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي: أَنْ قَالُوا لَوْ كَانَتِ الْقُرْعَةُ دَلِيلًا لَمْ تَتَنَاقَضْ، لَأَنَّ أَدِلَّةَ اللَّهِ لَا تَتَنَاقَضُ، وَاسْتِعْمَالُ الْقُرْعَةِ مُوجِبٌ لِلتَّنَاقُضِ، لِأَنَّهَا لَوْ أُعِيدَتْ ثَانِيَةً لَخَرَجَتْ بِغَيْرِ مَا خَرَجَ بِهِ الْأَوَّلُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُسْتَعْمَلَ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ دُخُولِ الْقُرْعَةِ فِي قِسْمَةِ الْأَمْلَاكِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا فِي الْعِتْقِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِيهَا، لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا مَرَّةً، فَكَانَتْ دَلِيلًا فِي الْأَوَّلِ، وَلَمْ تَكُنْ دَلِيلًا فِي الثَّانِي فَلَمْ يَدْخُلْهَا إِذَا كَانَتْ دَلِيلًا تَنَاقُضٌ وَإِنْ دَخَلَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ دَلِيلًا تَنَاقُضٌ.

فَصْلٌ

وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي الْأَمْرَيْنِ مِنَ التَّجْزِئَةِ وَالْقُرْعَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: نَصٌّ وَاسْتِدْلَالٌ.

فَأَمَّا النَّصُّ: فَوَارِدٌ مِنْ طَرِيقَيْنِ اثْنَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، " فَقَالَ قَوْلًا شَدِيدًا ثُمَّ دَعَاهُمْ، فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً ". والطريق الثانية: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَوَاهُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَرَدَّ أَرْبَعَةً إِلَى الرق ".

<<  <  ج: ص:  >  >>