للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ خَالَفَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، لِتَتَكَامَلَ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَزِّئُهُمْ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ لِتَمْيِيزِ الْحُرِّيَّةِ مِنَ الرِّقِّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ كَمَّلَ الْحُرِّيَّةَ فِي اثْنَيْنِ، وَالرِّقَّ فِي أَرْبَعَةٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ، وَيُرِقُّ ثُلُثَيْهِ، وَمَا خَالَفَ النَّصَّ كَانَ مَدْفُوعًا.

فَإِنْ قَالُوا: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا قُلْتُمُوهُ، وَهُوَ أَنَّ قوله: " جزأهم ثلاثة أجزاء " أي جُزْءًا حُرِّيَّةً، وَجُزْأَيْنِ رِقًّا.

وَقَوْلُهُ: " أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ " أَيِ اسْتِقْصَاءً فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ اشْتِقَاقًا مِنَ الْمُقَارَعَةِ، لَا مِنَ الْقُرْعَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَرَعَ فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا اسْتَقْصَى عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: أَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً أَيْ أَعْتَقَ سَهْمَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ.

قِيلَ: هَذَا تَأْوِيلٌ مَعْدُولٌ بِهِ عَنِ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَيَبْطُلُ بِالدَّلِيلِ. أَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ مَعْنَى جَزَّأَهُمْ أَيْ جَعَلَ جُزْءًا حُرِّيَّةً، وَجُزْأَيْنِ رِقًّا، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ هَذِهِ تَجْزِئَةُ الْأَحْكَامِ دُونَ الْأَعْيَانِ، وَحَمْلُ التَّجْزِئَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْأَحْكَامِ؛ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَجْزِئَةَ الْأَحْكَامِ مَعْلُومَةٌ بِالْعِتْقِ، فَاسْتَغْنَتْ عَنْ تَجْزِئَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا فِعْلٌ، وَالْفِعْلُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْأَعْيَانِ دُونَ الْأَحْكَامِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ، إِنَّ مَعْنَى أَقْرَعَ أَيِ اسْتَقْصَى فِي الْقِيمَةِ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْقُرْعَةَ بَيْنَهُمْ لَا تَكُونُ قُرْعَةً فِي قِيمَتِهِمْ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: " أَعْتَقَ اثْنَيْنِ " أَيْ سَهْمَيْنِ " وَأَرَقَّ أَرْبَعَةَ " أَسْهُمٍ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَكَانَ الْعِتْقُ بَيْنَهُمَا وَالرِّقُّ سَهْمَيْنِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ التَّجْزِئَةَ مُغْنِيَةٌ عَنْ هَذَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا لَا يُفِيدُ، وَهَذَا مُغْنٍ عَنِ التَّجْزِئَةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْعَلَ مَا لَا يُفِيدُ.

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِمْ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَى جَوَازِ التَّجْزِئَةِ لِتَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ، وَتَكْمِيلِ الرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>