للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا سَلَكْتُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَعَدَلْتُ عَنْ حِسَابِ الْجَبْرِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا خَفِيَ عَلَى مَنْ لَمْ يَأْنَسْ بِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ سَالِمٌ حُرٌّ، وَغَانِمٌ حر وزياد حر ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مَا احْتَمَلَ الثُّلُثُ لِأَنَّهُ عِتْقُ بَتَاتٍ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: عَتْقُ الْمَرِيضِ وَعَطَايَاهُ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ ثُلُثِهِ فِي حُقُوقِ الْوَرَثَةِ، وَمِنْ جَمِيعِ مَالِهِ فِي حُقُوقِ نَفْسِهِ، فَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ غُلِّبَ فِيهَا حَقُّ نَفْسِهِ، فَلَزِمَ جَمِيعُهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنِ اسْتَوْعَبَتْ جَمِيعَ مَالِهِ.

وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ غُلِّبَ فِيهَا حُقُوقُ الْوَرَثَةِ، فَرُدَّتْ إِلَى الثُّلُثِ، وَكَانَ لَهُمْ رَدُّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إِنْ لَمْ يُجِيزُوهُ، فَإِذَا جَمَعَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بَيْنَ عِتْقٍ وَعَطَايَا، وَعَجَزَ الثُّلُثُ عَنْ جَمِيعِهَا قَدَّمَ مِنْ ثُلُثِهِ مَا قَدَّمَهُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، فَإِنْ قَدَّمَ الْعِتْقَ، وَاسْتَوْعَبَ بِهِ جَمِيعَ الثُّلُثِ أُبْطِلَتْ عَطَايَاهُ فِي حُقُوقِ الْوَرَثَةِ.

وَإِنْ قَدَّمَ الْعَطَايَا، وَاسْتَوْعَبَ بِهَا الثُّلُثَ أَبْطَلَ بِهَا الْعِتْقَ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ أَسْبَقِهَا، عِتْقًا كَانَ أَوْ عَطِيَّةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ فِي الْعَطَايَا مُحَابَاةٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ قُدِّمَتْ عَلَى جَمِيعِ الْعِتْقِ. وَالْعَطَايَا، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُحَابَاةٌ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ، فَالْأَسْبَقُ مِنَ الْعَطَايَا أَوِ الْعِتْقِ، فَخَالَفَ فِي الْمُحَابَاةِ، وَوَافَقَ فِيمَا سِوَاهَا، احْتِجَاجًا بِأَنَّ الْمُحَابَاةَ مُعَاوَضَةٌ فَكَانَ حُكْمُهَا أَقْوَى , وَأَلْزَمُ مِنْ غَيْرِهَا.

وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ اتِّخَاذُهُ، وَوَجَبَ أَنْ يُقَدَّمَ تَنْفِيذُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّ الْعَطَايَا مُحَابَاةً أَوْ كُلُّهَا غَيْرَ مُحَابَاةٍ، وَلَيْسَ لِاحْتِجَاجِهِ بِأَنَّ الْمُحَابَاةَ مُعَاوَضَةٌ وَجْهٌ، لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَخْتَصُّ بِمَا لَيْسَ فِيهِ مُحَابَاةٌ، وَلِذَلِكَ لَزِمَ، وَلَمْ تَسْقُطْ، وَالْمُحَابَاةُ عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ، وَلِذَلِكَ سَقَطَتْ وَلَمْ تَلْزَمْ.

فَصْلٌ

فَإِذَا اسْتَقَرَّ هَذَا الْأَصْلُ فِي تَقْدِيمِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، فَبَدَأَ بِالْعِتْقِ، فَقَالَ: سَالِمٌ حُرٌّ، وَغَانِمٌ حُرٌّ، وَزِيَادٌ حُرٌّ، ثُمَّ وَهَبَ وَحَابَى قَدَّمْنَا مَا بَدَأَ بِهِ مِنْ عِتْقِ سَالِمٍ، فَإِنِ اسْتَوْعَبَ الثُّلُثَ أَبْطَلْنَا عِتْقَ غَانِمٍ وَزِيَادٍ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ، سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمْ بِلَفْظٍ مُتَّصِلٍ أَوْ بِأَلْفَاظٍ مُنْفَصِلَةٍ، وَسَوَاءٌ قَرُبَ مَا بَيْنَهُمْ أَوْ بَعُدَ، تَعْلِيلًا بِالتَّقَدُّمِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ. وَلَوِ اتَّسَعَ الثُّلُثُ بَعْدَ عِتْقِ سَالِمٍ لِعِتْقِ غَيْرِهِ أَعْتَقْنَا بَعْدَهُ غَانِمًا، لِأَنَّهُ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ، فَإِنِ اسْتَوْعَبَ الثُّلُثَ أَبْطَلْنَا عِتْقَ زِيَادٍ.

وَإِنِ اتَّسَعَ الثُّلُثُ بَعْدَ سَالِمٍ وَغَانِمٍ لِعِتْقِ ثَالِثٍ أَعْتَقْنَا زِيَادًا، فَإِنِ اسْتَوْعَبَ الثُّلُثَ أَبْطَلْنَا مَا بَعْدَهُمْ مِنَ الْهِبَاتِ وَالْمُحَابَاةِ.

وَإِنِ اتَّسَعَ الثُّلُثُ بَعْدَ عِتْقِهِمْ لِهِبَاتِهِ أَوْ مُحَابَاتِهِ قَدَّمْنَا فِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ هبة

<<  <  ج: ص:  >  >>