للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وفي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فإنما الولاء من أَعْتَقَ " دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ إِلَّا لِمُعْتِقٍ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِهَذَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: إِثْبَاتُ الْوَلَاءِ لِكُلِّ مُعْتِقٍ فِي وَاجِبٍ، وَتَطَوُّعٍ بِقَوْلٍ، وَفِعْلٍ كَعِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ، لِأَنَّهُ عِتْقٌ زَالَ بِهِ، الرِّقُّ، وَثَبَتَ بِهِ الْوَلَاءُ فَكَانَ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ عَلَى سَوَاءٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ عَنِ الْمُعْتِقِ بِبَيْعٍ، وَلَا هِبَةٍ، وَلَا وَصِيَّةٍ، وَقَدْ شَذَّ فِيهِ خِلَافٌ، وَرُدَّ بِنَصٍّ لَا يُدْفَعُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَى مَنْ لَمْ يُعْتَقْ مِنْ رِقٍّ، رَدًّا عَلَى مَنْ خَالَفَ فِي ثَلَاثَةٍ أَثْبَتَ عَلَيْهِمُ الْوَلَاءَ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَقُوا:

أَحَدُهَا: إِثْبَاتُ الْوَلَاءِ بِالتَّحَالُفِ عَلَى التَّنَاصُرِ، وَالتَّوَارُثِ، وَالْعَقْلِ، فَلَا حُكْمَ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي تَوَارُثٍ، وَلَا عَقْلٍ، وَإِنْ كَانَ التَّحَالُفُ عَلَى التَّنَاصُرِ وَالتَّعَاضُدِ حَسَنًا، كَحِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ مِثْلُهُ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ أَمْنَعْ مِنْهُ.

وقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: يَنْعَقِدُ بِهِ الْوَلَاءُ فِي التَّوَارُثِ وَالْعَقْلِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنَ الْمُتَحَالِفِينَ فَسْخُهُ بَعْدَ العقد.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ عُرِفَتْ أَنْسَابُ الْمُتَحَالِفِينَ لَمْ يَثْبُتْ بِالتَّحَالُفِ، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهِ التَّوَارُثُ وَالْعَقْلُ، وَإِنْ جُهِلَتْ أَنْسَابُهُمْ ثَبَتَ بِهِ الْوَلَاءُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّوَارُثِ وَالْعَقْلِ، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ، فَإِنْ عَقَلَ لَزِمَ، وَلَمْ يَصِحَّ الْفَسْخُ احْتِجَاجًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: ٣٣] وَلِأَنَّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ وَارِثُهُ مِنَ الْمَالِ جَازَ لِلْمَوْرُوثِ أَنْ يَمْنَعَهُ حَيْثُ شَاءَ كَالْوَصَايَا.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَقَوْلُهُ: (إِنَّمَا) ، مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِإِثْبَاتِ مَا اتَّصَلَ بِهِ، وَنَفْيِ مَا انْفَصَلَ عَنْهُ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: ١٧١] فَكَانَ فِيهِ إِثْبَاتُ الْإِلَهِيَّةِ لِلَّهِ، وَنَفْيُ إِلَهِيَّةِ غَيْرِهِ، فَدَلَّ إِثْبَاتُ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتِقِ، وَلِأَنَّ التَّوَارُثَ مُسْتَحَقٌّ بِالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ بِعَقْدِ التَّحَالُفِ نَسَبٌ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ وَلَاءٌ، وَلِأَنَّ كل سبب لا يورث به مع وجدو النَّسَبِ بِحَالٍ لَمْ يُورَثْ بِهِ مَعَ عَدَمِ النَّسَبِ فِي حَالٍ كَالرَّضَاعِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لِمَالِهِ جِهَةٌ يَنْتَقِلُ إِلَيْهَا بِوَفَاتِهِ لَمْ يَمْلِكْ نَقْلَهُ بِعَقْدِ وِلَايَةٍ كَالتَّحَالُفِ مَعَ وُجُودِ الْمَوْلَى.

فَأَمَّا الْآيَةُ، فَعَنْهَا جَوَابَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>