للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِسْلَامِ عَلَى الْكَافِرِ مُوجِبًا لِثُبُوتِ وَلَائِهِ عَلَيْهِ، لَكَانَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ مِنْ مَوَالِي أَبِي بَكْرٍ لإسلامهما على يده، ولكان المهاجرون والأنصار مواليا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلِأَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَهَذَا يَخْرُجُ عَنْ قَوْلِ الْأُمَّةِ، فَكَانَ مَدْفُوعًا بِهِمْ. وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ وَوَلِيَ النِّعْمَةَ) ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ، فَلَمْ يُسْتَحَقَّ بِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَلَاءُ بِأَخْذِ الْإِسْلَامِ مُسْتَحَقًّا لَوَجَبَ إِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِ مُعْتِقِهِ أَنْ يُبْطِلَ وَلَاءَ مُعْتِقِهِ، وإذا أسلم العب النَّصْرَانِيُّ عَلَى يَدِ غَيْرِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ أَن لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِمُعْتِقِهِ، وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَبَطَلَ مَا اقْتَضَاهُ بِالْإِجْمَاعِ.

وَقَدْ روى الْأَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَأَى رَجُلًا يُبَاعُ، فَسَاوَمَ بِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ هَذَا فَأَعْتَقْتُهُ، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ قَالَ: (أَخُوكَ وَمَوْلَاكَ. قَالَ: فَمَا تَرَى فِي صُحْبَتِهِ. قَالَ: (إِنْ شَكَرَكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَشَرٌّ عَلَيْكَ، وَإِنْ كَفَرَكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ وَشَرٌّ لَهُ) ، قَالَ: فَمَا تَرَى فِي مَالِهِ؟ قَالَ: (إِنْ مَاتَ، وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا، فَلَكَ مَالُهُ) ، فَاعْتُبِرَ وَلَاؤُهُ بِعِتْقِهِ دُونَ إِسْلَامِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا يَثْبُتُ بِهَا شَرْعٌ، لِأَنَّ بَعْضَهَا رَوَاهُ مَجْهُولٌ، وَبَعْضَهَا رَوَاهُ مَتْرُوكٌ، وَبَعْضَهَا مُرْسَلٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى وِلَايَةِ الْإِسْلَامِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّنَاصُرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١] .

وَالثَّالِثُ: أَنَّنَا نَسْتَعْمِلُ قَوْلَهُ: فَهُوَ مَوْلَاهُ يُرِيدُ أَيْ هُوَ نَاصِرُهُ، وَقَدْ صَارَ بِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ وَارِثًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُونَا باختلاف الذين مُتَوَارِثَيْنِ.

وَقَوْلُهُ: أَحَقُّ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ: أَنَّهُ أَحَقُّ بِمُرَاعَاتِهِ فِي مَحْيَاهُ، وَالْمَمَاتِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِإِنْعَامِهِ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ، فَهُوَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ أَنَّ النِّعْمَةَ فِيهِ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>