للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدِّينِ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَجَبَ أَن لَا يَمْنَعَ اخْتِلَافُهُ مِنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عِتْقُهُ نَافِذًا كَالْمُسْلِمِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ الْوَلَاءَ كَالْمُسْلِمِ.

فَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُوَالَاةِ دُونَ الْوَلَاءِ، وَأَمَّا مَنْعُهُ مِنِ اسْتِرْقَاقِ الْمُسْلِمِ، فَلِأَجْلِ يَدِهِ الَّتِي يَسْتَذِلُّهُ بِهَا، وَلَيْسَ فِي الْوَلَاءِ يَدٌ يُسْتَذَلُّ بِهَا، فَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنْ رِقِّهِ، وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ وَلَائِهِ.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينِ لَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ بِالْعِتْقِ، وَإِنْ مَنَعَ مِنَ التَّوَارُثِ نُظِرَ.

فَإِنْ كَانَ فِي عَصَبَةِ مَوْلَاهُ مَنْ هُوَ عَلَى مِلَّتِهِ وَرِثَهُ بِالْوَلَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى غَيْرَ وَارِثٍ بِهِ كَالْأَخَوَيْنِ إِذَا كَانَا عَلَى مِلَّةٍ، وَأَبُوهُمَا عَلَى أُخْرَى تَوَارَثَا دُونَ الْأَبِ، وَإِنْ تَنَاسَبَا بِالْأَبِ.

وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا، فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَرَقَّ، لِأَنَّ عَلَيْهِ وَلَاءً لِمُسْلِمٍ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مُعْتِقُهُ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَرَقَّ مَوْلَاهُ إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، لِمَا يَلْزَمُنَا أَنْ نَحْفَظَ أَمْوَالَ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يَجُوزُ أَنْ يُسْتَرَقَّ، لِأَنَّ مُعْتِقَهُ لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَسُبِيَ جَازَ أَنْ يُسْتَرَقَّ، فَكَذَلِكَ عَتِيقُهُ.

وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا حَرْبِيًّا كَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ، فَإِنْ سُبِيَ الْعَبْدُ فَاسْتُرِقَّ بَطَلَ وَلَاؤُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ مُنَّ عَلَيْهِ، ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ وَلَوِ اسْتُرِقَّ وَمَاتَ رَقِيقًا بَطَلَ وَلَاؤُهُ فَلَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ اسْتِرْقَاقِهِ عَادَ الْوَلَاءُ لَهُ.

وَإِذَا أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا، ثُمَّ لَحِقَ السَّيِّدُ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَسُبِيَ وَاسْتُرِقَّ، فَاشْتَرَاهُ عَبْدُهُ، فَأَعْتَقَهُ كَانَ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلًى لِصَاحِبِهِ، لِأَنَّ كُلَّ واحد منهما قد اعتق الآخر.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً فَهُوَ مُعْتِقٌ وَلَهُ الْوَلَاءُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْمُعْتِقُ سَائِبَةً أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ لِي عَلَيْكَ أَوْ يَقُولَ لَهُ: أَنْتَ عَتِيقٌ سَائِبَةً، فَيَكُونُ حُكْمُهُ أَن لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْعِتْقَ وَاقِعٌ، فَأَمَّا سُقُوطُ الْوَلَاءِ فِيهِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ الفقهاء أَنَّ الْوَلَاءَ ثَابِتٌ لَا يَسْقُطُ بِتَسْبِيَةِ، وَاشْتِرَاطِ سُقُوطِهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَسْقُطُ فِيهِ الْوَلَاءُ اعْتِبَارًا بِشُرُوطِهِ؛ وَاسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) ، وَبِمَا رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (السَّائِبَةُ لِيَوْمِهَا) . وفيه تأويلان:

<<  <  ج: ص:  >  >>