للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهَا التَّدْبِيرَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَجَازَ أَن لَا يُرِيدَ بِهَا وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَيُرْجَعُ إِلَى إِرَادَتِهِ فَمَا ذَكَرَهُ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ قَوْلُهُ فِيهِ مَقْبُولًا فَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ: أَرَدْتُ بِهِ التَّدْبِيرَ، وَقَالَ الْعَبْدُ: بَلْ أَرَدْتَ بِهِ الْعِتْقَ النَّاجِزَ، كَانَ لَهُ إِحْلَافُ سَيِّدِهِ. وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ: لَمْ أُرِدْ بِهِ التَّدْبِيرَ، وَقَالَ الْعَبْدُ: بَلْ أَرَدْتَ بِهِ التَّدْبِيرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِحْلَافُ سَيِّدِهِ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَالْعِتْقَ النَّاجِزَ لَازِمٌ.

وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ: هَلْ هُوَ صَرِيحٌ، أَوْ كِنَايَةٌ، فَهُوَ لَفْظُ التَّدْبِير أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ. فَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ صَرِيحًا لَا يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى إِرَادَتِهِ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ.

وَقَالَ فِي الْكِنَايَةِ: إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ قَدْ كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ، حَتَّى يَقُولَ: فَإِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ آخِرَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ. فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي لَفْظِ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَخَرَّجَهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا صَرِيحَانِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّدْبِيرِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: التَّدْبِيرُ صَرِيحٌ، وَالْكِنَايَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ التَّدْبِيرُ صَرِيحٌ، وَالْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَفْظَ التَّدْبِيرِ مَشْهُورٌ فِي الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَالْكِنَايَةَ يَعْرِفُهَا الْخَاصَّةُ دُونَ الْعَامَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْكِنَايَةَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ صَرِيحِينَ مِنْ عِتْقٍ وَمُكَاتَبَةٍ. وَالتَّدْبِيرَ لَيْسَ لَهُ صَرِيحٌ سِوَاهُ، وَإِذَا كَانَ التَّدْبِيرُ صَرِيحًا ثَبَتَ حُكْمُهُ فِي كُلِّ مَنْ تَلَفَّظَ بِهِ فِي عَبْدِهِ، سَوَاءٌ عَرَفَ حُكْمَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ كَصَرِيحِ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقِ.

فَإِنْ عَلَّقَ تَدْبِيرَهُ بِصِفَةٍ فَقَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مَا لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَهَا فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ صَارَ مُدَبَّرًا، يُعْتَقُ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ دَخَلَهَا بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ، لَمْ يُعْتَقْ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّدْبِيرُ بَعْدَ الْمَوْتِ، لِفَوَاتِ الصِّفَةِ بِالْمَوْتِ.

فَإِنْ قَالَ لَهُ: إِذَا دَفَعْتَ إِلَيَّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ صَارَ مُدَبَّرًا بِدَفْعِ جَمِيعِهَا، وَلَوْ دَفَعَهَا إِلَّا يَسِيرًا لَمْ يَصِرْ مُدَبَّرًا، وَلَوْ قَالَ: إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ كَانَ تَدْبِيرُهُ مُعْتَبَرًا بِقِرَاءَةِ جَمِيعِ الْقُرْآنِ. فَلَوْ قَرَأَهُ إِلَّا آيَةً مِنْهُ لَمْ يَصِرْ مُدَبَّرًا.

وَلَوْ قَالَ: إِذَا قَرَأَتْ قُرْآنًا صَارَ مُدَبَّرًا بِقِرَاءَةِ آيَةٍ مِنْهُ، لِأَنَّ دُخُولَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ تُوجِبُ اسْتِيعَابَ الْجِنْسِ، وَحَذْفَهُمَا لَا يُوجِبُهُ، وَلَوْ عَلَّقَ تَدْبِيرَهُ بِصِفَتَيْنِ ثَبَتَ التَّدْبِيرُ بِوُجُودِهِمَا، وَلَمْ يَثْبُتْ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِعَشْرِ صِفَاتٍ لَمْ يَثْبُتْ بِوُجُودِ تِسْعٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>