للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ وَطْءِ الْمُدَبَّرةِ وَحُكْمُ وَلَدِهَا

مَسْأَلَةٌ

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (وَيَطَأُ السَّيِّدُ مُدَبَّرتَهُ) .

وَهَذَا صَحِيحٌ. يَجُوزُ لِسَيِّدِ الْمُدَبَّرةِ أَنْ يَطَأَهَا لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَبَّرَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ، فَكَانَ يَطَؤُهُمَا وَهُمَا مُدَبَّرتَانِ. وَلِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ عَلَى الْمُدَبَّرةِ جَارِيَةٌ، فَجَرَى عَلَيْهَا فِي حُكْمِ الِاسْتِمْتَاعِ مَجْرَى الرِّقِّ.

وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهَا، وَالِاسْتِمْتَاعُ مِنْ مَنَافِعِهَا كَالِاسْتِخْدَامِ، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمُدَبَّرةِ، وَلَمْ يَمْنَعِ الْإِيلَادُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ فكان التدبير أولى.

فإن قيل: فهلا كان كَالْمُكَاتَبَةِ فِي مَنْعِهِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، قِيلَ: لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ قَدْ مَلَكَتْ مَنَافِعَهَا، فَلَمْ يُمْلَكْ عَلَيْهَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَالْمُدَبَّرةُ بِخِلَافِهَا فِي الْمَنَافِعِ، فَكَانَتْ بِخِلَافِهَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ فِي حُكْمِ الْخَارِجَةِ عَنْ مِلْكِهِ، لِأَنَّهَا تَمْلِكُ أَرْشَ من جَنَى عَلَيْهَا، وَالْمُدَبَّرةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، لِأَنَّهُ الْمَالِكَ لِأَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا. فَلِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مَا افْتَرَقَا فَجَازَ اسْتِمْتَاعُهُ بِالْمُدَبَّرةِ وَلَمْ يَجُزِ اسْتِمْتَاعُهُ بِالْمُكَاتَبَةِ.

فَإِذَا صَحَّ جَوَازُ اسْتِمْتَاعِهِ بِالْمُدَبَّرةِ لَمْ يكن وطؤه رجوعاً في التدبير، لأنه مقو بِسَبَبِ الْعِتْقِ إِنْ أَوْلَدَ فَلَمْ يُنَافِهِ، فَإِنْ أَوْلَدَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ يَلْزَمُ عِتْقُهَا بِمَوْتِهِ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَبُطْلَانُ بَيْعِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ لَهُ بَيْعُهَا. قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِي: وَقَدْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ بِالْإِيلَادِ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ قَدْ طَرَأَ عَلَى التَّدْبِيرِ مَا هُوَ أَغْلَظُ، فَصَارَ دَاخِلًا فِيهِ، وَغَيْرَ مُبْطِلٍ لَهُ كَطُرُوءِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْحَدَثِ يَدْخُلُ فِيهَا، وَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَمَا وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِيهِمْ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ كِلَاهُمَا مَذْهَبُ أَحَدِهِمَا أَنَّ وَلَدَ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ بِمَنْزِلَتِهَا فَإِنْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِ الأم

<<  <  ج: ص:  >  >>