للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مختصر الْمُكَاتَبِ

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْكِتَابَةُ فَهُوَ أَنْ يعقد السيد مع عبده عقد معاوضة في عِتْقِهِ بِمَالٍ يَتَرَاضَيَانِ بِهِ إِلَى نُجُومٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهَا، لِيُعْتَقَ بِأَدَائِهَا فَيَمْلِكُ الْعَبْدُ كَسْبَ نَفْسِهِ وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ بِهِ مَالَ نُجُومِهِ، وَفِي تَسْمِيَةِ هَذَا الْعَقْدِ كِتَابَةً وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: الْعُرْفُ الْجَارِي بِكِتَابَتِهِ فِي كِتَابِ وَثِيقَةٍ، تُوَقَّعُ فِيهَا الشَّهَادَةُ.

وَالثَّانِي: لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، فَسُمِّيَ بِهَا هَذَا الْعَقْدُ لِضَمِّ النُّجُومِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ.

وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْكِتَابَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] .

وَفِي قوله: {إن علمتم فيهم خيراً} ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ، وَالِاحْتِرَافِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ الرُّشْدُ وَالصَّلَاحُ فِي الدِّينِ وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وَقَتَادَةَ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ، لِيَكُونَ بِالْكَسْبِ قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ وَبِالْأَمَانَةِ مَوْثُوقًا بِوَفَائِهِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ.

وَفِي قَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَعْنِي مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ فِي سَهْمِ الرِّقَابِ يُعْطَاهُ الْمُكَاتَبُ لِيَسْتَعِينَ بِهِ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ، وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، وَيَكُونُ هَذَا خِطَابًا لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ.

وَالثَّانِي: مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ يَضَعُهُ السَّيِّدُ عَنْهُ، أَوْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ مَعُونَةً لَهُ كَمَا أَعَانَهُ غَيْرُهُ مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ، وَيَكُونُ هَذَا خِطَابًا لِلسَّيِّدِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

وَحَكَى الْكَلْبِيُّ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ عَبْدًا لِحُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى سَأَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ، فَامْتَنَعَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>