للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فيهم خيراً} قَالَ: وَلَا يَكُونُ الِابْتِغَاءُ مِنَ الْأَطْفَالِ وَلَا الْمَجَانِينَ وَلَا تَجُوزُ الْكِتَابَةُ إِلَّا عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا تَصِحُّ كِتَابَةُ الْعَبْدِ حَتَّى يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ تَصِحَّ كِتَابَتُهُ، وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَجْنُونِ وَخَالَفَ فِي الصَّبِيِّ فَجَوَّزَ كِتَابَتَهُ إِذَا كَانَ مُمَيِّزًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي جَوَازِ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ " وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَمْ تَصِحَّ كِتَابَتُهُ كَالْمَجْنُونِ وَكَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ الْخَبَرَ وَالْأَصْلُ الَّذِي بَنَاهُ عَلَيْهِ مَدْفُوعٌ.

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا تَجُوزُ كِتَابَتُهُ كَمَا يَجُوزُ تَدْبِيرُهُ؟

قِيلَ: لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّدْبِيرَ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ السَّيِّدُ، وَلَا يُرَاعَى فِيهِ قَوْلُ الْمُدَبَّر، فَلَمْ يُرَاعَ فِيهِ الْبُلُوغُ.

وَالْعَقْدُ، وَالْكِتَابَةُ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِمَا السَّيِّدُ، وَيُرَاعَى فِيهِمَا قَوْلُ الْمُكَاتَبِ، فَرُوعِي فِيهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فَإِنْ كَاتَبَ عَنِ الصَّبِيِّ أَبُوهُ لَمْ يَجُزْ لِعِلَّتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ مَمْلُوكٌ وِلَايَتُهُ لِسَيِّدِهِ دُونَ أَبِيهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْكِتَابَةَ يُمْلَكُ بِهَا التَّصَرُّفُ فِي الْعُقُودِ وَالْحُقُوقِ وَالصَّبِيُّ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ كِتَابَةَ الصَّبِيِّ لَا تَصِحُّ كَالْمَجْنُونِ، فَكِتَابَةُ السَّيِّدِ كَانَتْ كِتَابَةً بَاطِلَةً، وَعَتَقَ فِيهَا بِالْأَدَاءِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، لِأَنَّ كِتَابَتَهُ اشْتَمَلَتْ عَلَى عَقْدٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: كَاتَبْتُكَ، وَعَلَى صِفَةٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَإِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ آخِرَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِذَا بَطَلَ حُكْمُ الْعَقْدِ بَقِيَ حُكْمُ الصِّفَةِ، فَلِذَلِكَ عَتَقَ بِهَا. قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَبُطْلَانُ هَذِهِ الْكِتَابَةِ مَعَ الصَّبِيِّ يَسْلُبُهَا حُكْمُ الصِّفَةِ، وَحُكْمُ الْفَسَادِ، وَتَأْثِيرُ هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ فِي حُكْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّبِيَّ فِيهَا إِذَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَرْجِعِ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ إِنْ كَانَ الْمُؤَدَّى أَقَلَّ مِنْهَا وَلَا يَرْجِعُ الصَّبِيُّ إِذَا عَتَقَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ إِنْ كَانَ الْمُؤَدَّى أَكْثَرَ مِنْهَا، وَلَوْ فَسَدَتِ الْكِتَابَةُ مَعَ الْعَبْدِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ اسْتَحَقَّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ قَدْرَ قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُؤَدَّى أَكْثَرَ مِنْهَا رَدَّ الزِّيَادَةَ. وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا رَجَعَ بِالْبَقِيَّةِ.

وَالْحُكْمُ الثَّانِي: أَنَّ الصَّبِيَّ إِذَا عَتَقَ فِيهَا بِأَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَبَقِيَ فِي يَدِهِ فَضْلٌ كَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ انْتِزَاعُهُ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>