للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَجَلَ فِي الْكِتَابَةِ شَرْطٌ فَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ إِلَيْهِ نَجْمَانِ، وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأُمُورٍ مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَعْلِيقِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: (الْكِتَابَةُ عَلَى نَجْمَيْنِ) .

وَهَذَا الْخَبَرُ إِنْ صَحَّ نَصٌّ يَدُلُّ عَلَى إِيجَابِ الْأَجَلِ عَلَى تَقْدِيرِهِ بِنَجْمَيْنِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَجَّلَ الْكِتَابَةَ قَالَ: لَا تَصِحُّ إِلَى أَقَلَّ مِنْ نَجْمَيْنِ فَصَارَ مِنْ إِجْمَاعِ مَنْ قَالَ بِتَأْجِيلِهَا. وَقَدْ غَضِبَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَبْدِهِ. وَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُعَاقِبَنَّكَ وَلَأُكَاتِبَنَّكَ عَلَى نَجْمَيْنِ.

ولو جَازَتْ إِلَى أَقَلَّ مِنْهُمَا لَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ تَضْيِيقًا عَلَيْهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّجْمَيْنِ أَقْصَى التَّضْيِيقِ.

وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يُكَاتِبُوا مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي مُكَاتَبَةِ عَبِيدِهِمْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَجْمَيْنِ، قَدْ كُوتِبَتْ بَرِيرَةُ عَلَى تِسْعَةِ أَنْجُمٍ، وَكَاتَبَ ابْنُ عُمَرَ عَبْدَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَنْجُمٍ وَكَاتَبَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَوْلَاهَا نَبْهَانَ عَلَى نَجْمَيْنِ، وَذَلِكَ أَقَلُّ مَا كَاتَبَتِ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ فَصَارَ ذَلِكَ مِنْهُمْ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الْإِيتَاءَ مِمَّا أَدَّى وَاجِبٌ لِيَسْتَعِينَ بِهِ الْمُكَاتَبُ فِيمَا بَقِيَ، وَذَلِكَ لَا يَنْتَظِمُ إِلَّا فِي نَجْمَيْنِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا لِلْأَدَاءِ وَالْآخَرُ لِلْإِيتَاءِ مَعُونَةً فِي بَاقِي الْأَدَاءِ، وَلِأَنَّ اشْتِقَاقَ الْكِتَابَةِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الضَّمِّ وَالْجَمْعِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ كِتَابَةِ الْخَطِّ.

فَإِنْ كَانَتْ مُشْتَقَّةً مِنَ الضَّمِّ وَالْجَمْعِ. فَأَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ الضَّمُّ وَالِاجْتِمَاعُ اثْنَانِ. فَافْتَقَرَتِ الْكِتَابَةُ إِلَى نَجْمَيْنِ. يَنْضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ. وَإِنْ كَانَتْ مِنْ كِتَابَةِ الْخَطِّ فَأَقَلُّ مَا تَتَقَيَّدُ بِهِ خَطُّ الْكِتَابَةِ حَرْفَانِ، فَافْتَقَرَتِ الْكِتَابَةُ الْمُؤَجَّلَةُ إِلَى نَجْمَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ يَنْعَقِدُ الْخَطُّ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا.

قِيلَ: لَا حَرْفَانِ: لَامٌ وَأَلِفٌ.

قَالَ الشَّاعِرُ:

(تَخُطُّ رِجْلَايَ بِخَطٍّ مُخْتَلِفْ ... تكتبان في الطريق لام ألف)

فإن قيل: فإن كَانَ أَقَلُّ مَا يَتَقَيَّدُ بِهِ الْخَطُّ حَرْفَيْنِ، فَمِنْ شَرْطِهِمَا أَنْ يَكُونَا مُخْتَلِفَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>