للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مَتَى مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَبْطُلِ الْكِتَابَةُ، وَقَامَ الْوَارِثُ فِيهَا مَقَامَهُ، فَإِذَا أَدَّاهَا الْمُكَاتَبُ إِلَيْهِ عَتَقَ، لِأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ لَازِمَةٌ، وَالْعُقُودُ اللَّازِمَةُ لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ.

وَالرَّابِعُ: أن المكاتب قد ملك به كَسْبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، لِأَنَّ سُلْطَانَ السَّيِّدِ قَدْ زَالَ عَنْهُ، وَنَفَقَتَهُ قَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ، فَصَارَ الْكَسْبُ لِلْمُكَاتَبِ كَمَا صَارَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ.

وَالْخَامِسُ: أَنَّ مَا فَضَلَ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ كَانَ مِلْكًا لَهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلسَّيِّدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَهُ بَعْدَهُ.

وَالسَّادِسُ: أَنْ لَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِوُقُوعِهِ عَنْ عِوَضٍ صَحِيحٍ، كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا الَّتِي لَا يَصِحُّ فِيهَا الْعَقْدُ فَهِيَ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ قَدْ جَمَعَتْ صِفَةً وَمُعَاوَضَةً، فَالْمُغَلَّبُ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: قَدْ كَاتَبْتُكَ عَلَى أَلْفٍ مُعَاوَضَةً، وَقَوْلَهُ فَإِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ آخِرَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، فَإِذَا بَطَلَ الْعِوَضُ الْمُسَمَّى بِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَبْطُلُ بِهَا الْكِتَابَةُ، بَقِيَ حُكْمُ الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ، وَتَعَلَّقَ بِهَا سِتَّةُ أَحْكَامٍ قَدْ تُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَحْكَامِ الْفَصْلَيْنِ وَسَطَّرَ الْمُزَنِيُّ بَعْضَهَا مِنْ بَعْدُ، وَنَحْنُ نَسْتَوْفِي شَرْحَهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ بَعْدَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا اقْتَضَاهُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ.

فَأَحَدُ الْأَحْكَامِ السِّتَّةِ: أَنَّ الصِّفَةَ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْعِتْقُ غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَلِلسَّيِّدِ إِبْطَالُهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِأَنْ يَرْفَعَهَا إِلَى الْحَاكِمِ فَيُبْطِلَهَا فَإِنْ وُجِدَتِ الصِّفَةُ بَعْدَ إِبْطَالِهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَدَفَعَ الْمَالَ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا لَمْ يَقَعِ الْعِتْقُ بِخِلَافِ الصِّفَاتِ الْمَحْضَةِ، الَّتِي لَا يَجُوزُ لَهُ إِبْطَالُهَا، وَيَقَعُ الْعِتْقُ بِوُجُودِهَا لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْتِزَامِ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ الْمَحْضَةِ، فَلَمْ يَقَعْ إِلَّا بِهَا وَهُوَ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِالْمُعَاوَضَةِ، مُلْتَزِمٌ لَهَا عَلَى شَرْطِ الْعِوَضِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ بِالْفَسَادِ بَطَلَ اللُّزُومُ، وَصَارَ مَوْقُوفًا عَلَى خِيَارِهِ كَالْعُيُوبِ فِي الْبُيُوعِ، وَفَارَقَا حُكْمَ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ أَيْضًا الَّتِي لَا يَجُوزُ لَهُ فَسْخُهَا، لِسَلَامَةِ مَا شَرَطَهُ مِنَ الْعِوَضِ فِيهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَصِحُّ مِنْ هَذَا الْعِوَضِ لِفَسَادِهِ وَأنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِ: إِنْ دَفَعْتَ إِلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ أَبْرَأَهُ لَمْ يَبْرَأْ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ متى مات السيد بطلت الصفة، ولم يعتق بِالْأَدَاءِ إِلَى الْوَرَثَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَبْطُلُ، وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إِلَى الْوَرَثَةِ. وَهَذَا فَاسِدٌ من وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>