للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا التَّوَهُّمُ مِنْ أَبِي الْعَبَّاسِ هُوَ السَّهْوُ، لِأَنَّ وَضْعَ الْكَلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصْحِيحِهِ بِإِثْبَاتٍ لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ نَفْيًا، لِعُمُومِ الرُّجُوعِ، وَلَوْ أَرَادَ إِثْبَاتَ الرُّجُوعِ لَقَالَ: وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَى مُكَاتَبِهِ بِالْقِيمَةِ فَعُلِمَ فَسَادُ مَا تَوَهَّمَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَصِحَّةُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ لِصِحَّةِ نَظْمِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ كَانَتْ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَمَاتَ السَّيِّدُ وَلَهُ وَارِثَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إِنَّ أَبَاهُ كَاتَبَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَحَلَفَ مَا عَلِمَ أَنَّ أَبَاهُ كَاتَبَهُ كَانَ نِصْفُهُ مُكَاتَبًا وَنَصِفُهُ مَمْلُوكًا يَخْدِمُ يَوْمًا وَيُخَلَّى يَوْمًا وَيَتَأَدَّى مِنْهُ الْمُقِرُّ نِصْفَ كُلِّ نَجْمٍ لَا يَرْجِعُ بِهِ أَخُوهُ عَلَيْهِ وَإِنْ عَتَقَ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَقَرَّ أَنَّهُ عَتَقَ بِشَيْءٍ فَعَلَهُ أَبُوهُ وَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ رَقِيقًا بَيْنَهُمَا) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي عَبْدٍ مَاتَ سَيِّدُهُ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ أَبَاهُمَا كَاتَبَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي نُجُومٍ وَصَفَهَا، فَلَا يَخْلُو حَالُ الاثنين من ثلاثة أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُصَدِّقَاهُ فَيَصِيرَ مُكَاتَبًا مِنْ أَبِيهِمَا فَإِنْ أَدَّى إِلَيْهِمَا عَتَقَ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْأَبِ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِمَا بِالْإِرْثِ وَإِنْ عَجَزَ رَقَّ وَصَارَ عَبْدًا لَهُمَا.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُكَذِّبَاهُ فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا بِاللَّهِ إِنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أن أباهما كاتبه، لأنه يَمِينٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ فَكَانَتْ عَلَى الْعِلْمِ دُونَ الْبَتِّ.

فَإِنْ نَكَلَا عَنِ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَحَلَفَ عَلَى الْبَتِّ بِاللَّهِ لَقَدْ كَاتَبَهُ أَبُوهُمَا عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْمَالِ وَالنُّجُومِ، وَثَبَتَتْ كِتَابَتُهُ وَإِنْ نَكَلَ الْمُكَاتَبُ كَانَ عَلَى رِقِّهِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُصَدِّقَهُ أَحَدُهُمَا وَيُكَذِّبَهُ الْآخَرُ، فَتَصِيرَ حِصَّةُ الْمُصَدِّقِ مِنْهُ، وَهِيَ النِّصْفُ مُكَاتَبًا وَيَحْلِفَ الْمُكَذِّبُ عَلَى الْعِلْمِ، وَتَكُونَ حِصَّتُهُ وَهِيَ النِّصْفُ رِقًّا، وَإِنَّمَا لَزِمَتِ الْكِتَابَةُ فِي حِصَّةِ الْمُصَدِّقِ بِإِقْرَارِهِ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ فِيهِ يَسْتَضْرُّ بِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا بِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَصِحُّ كِتَابَةُ بَعْضِهِ، وَهُوَ لَوْ كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا مُكَاتَبَةُ حِصَّتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيكِهِ وَفِي جَوَازِهَا بِإِذْنِهِ قَوْلَانِ فَهَلَّا كَانَ كَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ.

قِيلَ: لِأَنَّ كِتَابَةَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ صَاحِبِهِ قُصِدَ بِهَا تَبْعِيضُ أَحْكَامِ الْعَبْدِ مَعَ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَى شَرِيكِهِ فَمُنِعَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا إِذَا صَدَّقَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ مِنْهُ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ لَمْ يَبْتَدِئْ فِيهِ تَبْعِيضُ الْأَحْكَامِ، وَإِدْخَالُ الضَّرَرِ فَكَانَ إِقْرَارُهُ مَاضِيًا فَإِذَا نَفَذَ إِقْرَارُ الْمُصَدِّقِ في حقهنظر فَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَازَ أَنْ يَشْهَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>