للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِتَرِكَتِهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ دَيْنُ كِتَابَتِهِ أَلَا تَرَى لَوْ تَرَكَ أَقَلَّ مِنَ الْوَفَاءِ، لَمْ يُورَثْ عَنْهُ، وَصَارَ إِلَى سَيِّدِهِ ملكا. والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِنْ جَاءَهُ بِالنَّجْمِ فَقَالَ السَّيِّدُ هُوَ حَرَامٌ أَجْبَرْتُ السَّيِّدَ عَلَى أَخْذِهِ أَوْ يُبْرِئُهُ مِنْهُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا دَفَعَ الْمُكَاتَبُ مَالَ نَجْمٍ مِنْ كِتَابَتِهِ إِلَى سَيِّدِهِ فَقَالَ السَّيِّدُ: هُوَ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ مِنْ غَصْبٍ، أَوْ رِبًا وَقَالَ الْمُكَاتَبُ بَلْ هُوَ مَالِي، وَحَلَالٌ لِي. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ مَعَ يَمِينِهِ دُونَ السَّيِّدِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِهِ، وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ مَا قَالَهُ السَّيِّدُ وَهُوَ فِي يَمِينِهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مَغْصُوبٍ وبين أن يحلف انه ملكه، فإذن حَلَفَ قِيلَ لِلسَّيِّدِ إِمَّا أَنْ تَقْبِضَهُ، أَوْ تُبَرِّئَهُ مِنْهُ.

فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ الْمُفْلِسُ إِذَا حَلَفَ عَلَى مَالٍ ادَّعَاهُ فَأَكْذَبَهُ فِيهِ بَعْضُ غُرَمَائِهِ وَحُكِمَ لَهُ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ يُقَسِّمُهُ بَيْنَ مَنْ صَدَّقَهُ مِنْ غُرَمَائِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ أَكْذَبَهُ فِيهِ حَقٌّ، لِاعْتِرَافِهِ بِتَحْرِيمِهِ فَهَلَّا كَانَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ كَذَلِكَ.

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُفْلِسَ لَا يَسْتَضِرُّ بِامْتِنَاعِ بَعْضِ غُرَمَائِهِ مِنْ أَخْذِهِ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ إِلَى غَيْرِهِ وَالْمُكَاتَبَ يَسْتَضِرُّ بِامْتِنَاعِ سَيِّدِهِ مِنْ أَخْذِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى أَخْذِهِ، وَإِنْ لَمْ يُجْبَرْ غَرِيمُ الْمُفْلِسِ.

وَمِثَالُ الْمُكَاتَبِ مِنَ الْمُفْلِسِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إِلَّا غَرِيمٌ وَاحِدٌ قَدِ اعْتَرَفَ بِتَحْرِيمِهِ فَيُجْبَرَ عَلَى أَخْذِهِ، أَوْ إِبْرَائِهِ، لِأَنَّهُ يَسْتَضِرُّ فِي الْغَرِيمِ الْوَاحِدِ بِتَرْكِ أَخْذِهِ كَالْمُكَاتَبِ فَصَارَا سَوَاءً.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى أَخْذِهِ فَلَا يَخْلُو حاله فيه من ثلاثة أَحْوَالٍ: إِمَّا أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِمَّا أَنْ يُبْرِئَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ الْأَخْذِ وَالْإِبْرَاءِ.

فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ بَرِئَ الْمُكَاتَبُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ آخِرِ نُجُومِهِ عَتَقَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ تَضَاعِيفِهَا كَانَ عِتْقُهُ مُعَلَّقًا بِأَدَاءِ مَا بَقِيَ، فَإِذَا صَارَ الْمَالُ فِي يَدِ السَّيِّدِ نَظَرَ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ تَحْرِيمِهِ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مُسْتَحِقَّهُ كَانَ مُقَرًّا فِي يَدِهِ عَلَى مُسْتَحَقِّهِ، وَلَا يُجْعَلُ مِلْكًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزَعْ مِنْ يَدِهِ.

وَإِنْ سَمَّى مُسْتَحِقَّهُ فَقَالَ: هُوَ مَغْصُوبٌ مِنْ زَيْدٍ لَزِمَهُ بَعْدَ أَخْذِهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى زَيْدٍ، لِاعْتِرَافِهِ لَهُ بِمَا صَارَ فِي يَدِهِ، وَلِأَنَّهُ سَمَّى فَصَارَ كَرَجُلٍ أَقَرَّ بِدَارٍ فِي يَدِ أَبِيهِ أَنَّهَا غَصْبٌ، ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ فَصَارَتِ الدَّارُ إِلَيْهِ، لَزِمَهُ رَدُّهَا عَلَى مَنِ اعْتَرَفَ بِغَصْبِهَا مِنْهُ.

فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ لَوْ رَهَنَ رَجُلٌ عَبْدًا فَادُّعِيَتْ عَلَى الْعَبْدِ جِنَايَةٌ صُدِّقَ عَلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>