للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بِالشَّرْعِ لَتَقَدَّرَ بِهِ كَالزَّكَاةِ، فَدَلَّ تَرْكُ تَقْدِيرِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ. وَلِأَنَّ وُجُوبَهُ يُفْضِي إِلَى جَهَالَةِ الْبَاقِي، فَتَصِيرُ الْكِتَابَةُ بِمَجْهُولٍ. وَالْعِوَضُ الْمَجْهُولُ تَبْطُلُ بِهِ الْكِتَابَةُ وَيَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجِبَ في الشرع، ولأنه وُجُوبَهُ مُعْتَبَرٌ بِصِفَةِ الْعِتْقِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إِذَا أَدَّى آخِرَهَا فَهُوَ حُرٌّ، فَإِذَا أَسْقَطَ عَنْهُ قَدْرَ الْإِيتَاءِ لَمْ تَكْمُلِ الصِّفَةُ، وَلَمْ يَقَعِ الْعِتْقُ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْإِيتَاءِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] فَأَمَرَ بِالْإِيتَاءِ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْأَمْرُ بِالْإِيتَاءِ مُقْتَرِنٌ بِالْأَمْرِ بِالْكِتَابَةِ، ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ بِالْكِتَابَةِ مَحْمُولًا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ، كَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْإِيتَاءِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ.

قِيلَ: قَدْ كَانَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِيهَا، لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْكِتَابَةِ، وَبَقِيَ الْوُجُوبُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْإِيتَاءِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَيُحْمَلُ وُجُوبُ الْإِيتَاءِ عَلَى مَا يُعْطُونَهُ مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ فِي الزَّكَاةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَهُمْ فِيهَا سَهْمًا.

قِيلَ: لَا يَصِحُّ حَمْلُ هَذَا الْإِيتَاءِ عَلَى سَهْمِهِمْ فِي الزَّكَاةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: ٣٣] مَحْمُولًا عَلَى شَهَادَةِ الْعَبْدِ، وَعَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ} [النور: ٣٣] وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى سَادَاتِهِمْ، لِيَكُونَ إِرْسَالُ الْخِطَابِ فِي الْآخَرِ عَائِدًا إِلَى مَنْ أُرِيدَ بِالْأَوَّلِ، وَلَا يَكُونُ عَائِدًا إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ. وَإِذَا عَادَ إلى سادة العبيد، لم يجز أن يجمل عَلَى الزَّكَاةِ، لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إِلَى عَبْدِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ سَهْمَهُمْ فِي الزَّكَاةِ مُسْتَفَادٌ مِنْ آيَةٍ أُخْرَى، فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى حُكْمٍ آخَرَ أَوْلَى.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِيتَاءِ مِنْ مَالٍ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ. وَلَا يُضِيفُ إِلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الْأَمْوَالِ لَهُ إِلَّا لِتَشْرِيفِ الْمَالِ وَاسْتَطَابَتِهِ، وَالزَّكَوَاتُ هِيَ أَوْسَاخُ الذُّنُوبِ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِهَا أَوْلَى.

وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ رُبُعَ الْكِتَابَةِ وَهَذَا تَفْسِيرٌ وَدَلِيلٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>