للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَكْثَرُهُ ثَلَاثٌ، لِأَنَّ الْمُهْلَةَ فِي إِحْضَارِ الْبَيِّنَةِ عُرْفُ الْحُكَّامِ فِي الضَّرُورَاتِ وَكَانَ غَايَةَ إِنْظَارِهِ ثَلَاثًا، لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ إِلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَيُمْنَعُ السَّيِّدُ فِي زَمَانِ إِنْظَارِهِ مِنْ مُطَالَبَتِهِ وَتَعْجِيزِهِ، وَيُمَكَّنُ الْعَبْدُ فِيهَا مِنَ اكْتِسَابِهِ، لِئَلَّا يَفُوتَ عَلَى أَحَدِهِمَا حَقُّهُ، لَكِنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي كَسْبِهِ إِنْ أَظْهَرَ السَّيِّدُ تَعْجِيزَهُ، وَلَا يُحْجَرُ إِنْ لَمْ يُظْهِرْ تَعْجِيزَهُ فَإِنْ حَضَرَتِ الْبَيِّنَةُ سُمِعَتْ عَلَى مَا مَضَى، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْ زَمَانِ الْإِنْظَارِ أُحْلِفَ عَلَى ما مضى.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ عَجَزَ أَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ بُدِئَ بِهَا عَلَى السَّيِّدِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ دُيُونٌ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ أَرْشٍ عَنْ جِنَايَةٍ وَمَالٍ مِنْ كِتَابَةٍ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يَقْضِي بِهِ جَمِيعَ الْحُقُوقِ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ قَضَاءِ جَمِيعِهَا، وَكَانَ مَا بِيَدِهِ يَعْجِزُ عَنْهَا كَانَ صَرَفَ مَا بِيَدِهِ إِلَى غُرَمَائِهِ وَفِي أَرُوشِ جِنَايَاتِهِ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إِلَى سَيِّدِهِ، لِاسْتِقْرَارِ الدُّيُونِ وَالْأَرُوشِ فِي ذِمَّتِهِ وَأَخْذِهِ جَبْرًا بِأَدَائِهِ، وَلَيْسَ مَالُ الْكِتَابَةِ مُسْتَقِرًّا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ جَبْرًا بِأَدَائِهِ، فَلِذَلِكَ قُدِّمَتِ الدُّيُونُ وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ قَضَائِهَا فَضْلٌ أَخَذَهُ السَّيِّدُ مِلْكًا إِنْ عَجَّزَهُ وَأَدَاءً إِنْ أَنْظَرَهُ وَإِنْ عَجَزَ مَا بِيَدِهِ عَنْ دُيُونِهِ وَجِنَايَاتِهِ قُدِّمَتِ الدُّيُونُ عَلَى الْجِنَايَاتِ لِتَعَلُّقِ الْجِنَايَاتِ بِرَقَبَتِهِ، وَتَعَلُّقِ الدُّيُونِ بِذِمَّتِهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى أَرْبَابَ الدُّيُونِ دَفَعَ حِينَئِذٍ فِي جِنَايَاتِهِ، فَإِنْ عَجَزَ مَا بِيَدِهِ عَنْ دُيُونِهِ أُنْظِرَ بِالْبَاقِي إِلَى وَقْتِ يَسَارِهِ، وَبِيعَ فِي جِنَايَاتِهِ إِنْ كَانَ أُرُوشُهَا بِقَدْرِ ثَمَنِهِ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا، وَكَانَ الْبَاقِي عَلَى رِقِّ سَيِّدِهِ، وَلَا يُبَاعُ فِي بَاقِي دُيُونِهِ، لِأَنَّ دُيُونَهُ تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ بَعْدَ مَا بِيعَ مِنْهُ فِي جِنَايَاتِهِ أَنْ يَسْتَبْقِيَ الْكِتَابَةَ فِي بَاقِيهِ جَازَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْهَا فِي بَعْضِهِ، فَيَمْتَنِعَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا بَطَلَتِ الْكِتَابَةُ فِي بَعْضِهِ، فَجَازَ أَنْ يَضُمَّ الْبَاقِي مِنْهَا، فَإِذَا أَدَّى كِتَابَةَ بَاقِيهِ عَتَقَ، وَفِي تَقْوِيمِ بَاقِيهِ عَلَى السَّيِّدِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ لِتَقْدِيمِ سَبَبِ الْعِتْقِ قَبْلَ التَّبْعِيضِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَيَسْرِي الْعِتْقُ فِي جَمِيعِهِ، لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ لِلْإِنْظَارِ كَالِابْتِدَاءِ بِالْعِتْقِ، لَكِنْ لَوْ بِيعَ بَعْضُهُ فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْهِ مَالُ كِتَابَتِهِ لَزِمَ السَّيِّدُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْكِتَابَةَ فِي بَاقِيهِ، لِأَنَّهَا إذا لزمت جَمِيعِهِ لَزِمَتْ فِي بَعْضِهِ، وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إِنْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ عِتْقَهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى خِيَارِهِ بَعْدَ التَّبْعِيضِ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا إِذَا مَاتَ هَذَا الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَجِنَايَاتٌ وَمَالُ كِتَابَةٍ فَقَدْ مَاتَ عَبْدًا، تَرَكَ وَفَاءً أَوْ لَمْ يَتْرُكْ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ بِالْأَدَاءِ بَعْدَ الموت، وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>