للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، سائر أَحْكَامِهِ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَأَحْكَامُهُ مُعْتَبَرَةٌ بِمَا سَنَذْكُرُهُ، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى خَمْسَةِ فُصُولٍ:

أَحَدُهَا: الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ ضَرْبَانِ: نَفْسٌ وَطَرَفٌ، فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ فَضَرْبَانِ: خَطَأٌ يُوجِبُ الْمَالَ وَعَمْدٌ يُوجِبُ الْقَوَدَ، فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ خَطَأً تُوجِبُ الْمَالَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ، لِأَنَّهُ قُتِلَ عَبْدًا، وَإِنْ كَانَ تَبَعًا، وَفِيهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ قِيمَتَهُ لِأُمِّهِ تَسْتَعِينُ بِهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَلَا تَكُونُ لِسَيِّدِهَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ المزني ووجهه شيئان:

أحدها: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ تَبَعًا لَهَا يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا كَانَتْ أَوْلَى بِقِيمَتِهِ مِنَ السَّيِّدِ الَّذِي لَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ قِيمَةُ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ لَوْ قُتِلَ تَكُونُ لِلْمُكَاتَبِ دُونَ السَّيِّدِ كَذَلِكَ وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ إِذَا قُتِلَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ قِيمَةَ الْوَلَدِ تَكُونُ لِلسَّيِّدِ دُونَ الْأُمِّ وَوَجْهُهُ شَيْئَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لما كانت قيمتها للسيد لو قتل، كَانَ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ لَهُ قِيمَةُ وَلَدِهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِلسَّيِّدِ دُونَ الْأُمِّ، فَكَانَ بِقِيمَتِهِ أَحَقَّ مِنَ الْأُمِّ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَرَّقْنَا بَيْنَ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ وَلَدَهُ وَالْمُكَاتَبَةَ لَا تَمْلِكُ وَلَدَهَا وَاحْتِجَاجُ الْمُزَنِيِّ بِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ لَا يُوجِبُ أَنْ تَخْتَصَّ بِقِيمَتِهِ، لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ تَبَعٌ لَهَا يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا، وَلَا تَمْلِكُ قِيمَتَهُ إِنْ قُتِلَ.

وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا يُوجِبُ الْقَوَدَ، فَإِنْ جَعَلْنَا قِيمَتَهُ فِي الْخَطَأِ لِلسَّيِّدِ، فَالْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ مَرْدُودٌ إِلَى خِيَارِ السَّيِّدِ، فَإِنِ اقْتَصَّ أَوْ عَفَا فَلَا اعْتِرَاضَ لِلْأُمِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَعَلْنَا قِيمَتَهُ لِلْأُمِّ، فَإِنِ اقْتَصَّتْ كَانَ لَهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ بَيْعُهَا، وَإِنْ عَفَتْ عَنْهُ إِلَى الْمَالِ كَانَ لَهَا، تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا وَإِنْ عَفَتْ عَنْهُ كَانَ فِي صِحَّةِ عَفْوِهَا قَوْلَانِ، مِنَ اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ: هَلْ يُوجِبُ الْقَوَدَ وَحْدَهُ، أَوْ يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ وَحْدَهُ، وَلَا يُوجِبُ الْمَالَ بِاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ كَانَ عَفْوُ الْأُمِّ عَنْهُ جَائِزًا، أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْقَوَدِ، فَيُمْنَعُ مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُ، وَالْمَالُ لَا يَجِبُ إِلَّا بِاخْتِيَارِ الْأُمِّ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى تَمَلُّكِهِ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ مُوجِبٌ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهَا عَنْهُمَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ اسْتِهْلَاكِ مَالٍ قَدْ مَلَكَ الْحَجْرَ عَلَيْهَا فِيهِ، وَفِي صِحَّةِ عَفْوِهَا بِإِذْنِهِ قَوْلَانِ كَالْهِبَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>