للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الطَّائِعَةِ وَالْكَارِهَةِ فِي التَّعْزِيرِ، فَجَعَلَهُ الْمُزَنِيُّ فَرْقًا بَيْنَهُمَا فِي الْمَهْرِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا خَرَّجَهُ الْمُزَنِيُّ فِي الْمَهْرِ مِنَ الْغِرَّةِ بَيْنَ الطَّائِعَةِ وَالْكَارِهَةِ فَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا ثَانِيًا وَأَجْرَاهُ مَجْرَى الرَّاهِنِ إِذَا أُذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ، أَنَّ الْمَهْرَ عَلَى قَوْلَيْنِ، لِأَنَّ الطَّائِعَةَ آذِنَةٌ فِي الْإِصَابَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَهْرُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَامْتَنَعَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا مِنْ تَخْرِيجِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُزَنِيُّ، وَسَوَّوْا فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بَيْنَ الطَّائِعَةِ وَالْكَارِهَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى حُكْمُ الطَّائِعَةِ وَالْكَارِهَةِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ، وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ، كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْإِصَابَةِ لِلطَّائِعَةِ وَالْكَارِهَةِ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سُقُوطِ الْحَدِّ، فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْمَهْرِ فِي الْمُطَاوَعَةِ وَالْإِكْرَاهِ فَأَصَابَهَا مِرَارًا نَظَرَ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ غُرْمِ الْمَهْرِ فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَثُرَتِ الْإِصَابَةُ لِتَدَاخُلِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ غُرْمِ الْمَهْرِ بِالْإِصَابَةِ الْأَوْلَى فَعَلَيْهِ مَهْرٌ ثَانٍ بِمَا تَجَدَّدَ مِنَ الْإِصَابَةِ بَعْدَ الْغُرْمِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ.

وَمِثَالُهُ: السَّارِقُ إِذَا تَكَرَّرَتْ مِنْهُ السَّرِقَةُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَطْعِ السَّرِقَةِ الْأَوْلَى قُطِعَ لِلثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ لِلْأَوْلَى قُطِعَ قَطْعًا وَاحِدًا لِلْأَوْلَى والثانية.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِهَا فَقَالَتْ وَلَدْتُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَقَالَ السَّيِّدُ بَلْ قَبْلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ مَرْقُوقٌ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَالَتِ الْمُكَاتَبَةُ: وَلَدْتُ وَلَدِي هَذَا بَعْدَ كِتَابَتِي، فَهُوَ تَبَعٌ لِي يُعْتَقُ بِعِتْقِي، وَقَالَ السَّيِّدُ: بَلْ وَلَدْتِهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ، فَهُوَ عَبْدِي وَاحْتُمِلَ مَا قَالَاهُ وَعُدِمَتِ الْبَيِّنَةُ فِيهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَصْلَهُ الرِّقُّ، فَلَمْ يَزَلْ عَنْهُ إِلَّا بِيَقِينٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنْ حُرِّرَ فِي وَقْتِ الْكِتَابَةِ دُونَ الْوِلَادَةِ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُدُوثِهَا، وَفِي شَكٍّ مِنْ تَقَدُّمِهَا فَكَانَ حُكْمُ الْيَقِينِ أَوْلَى مِنْ حُكْمِ الشَّكِّ، فَإِنْ حَلَفَ السَّيِّدُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ كَانَ الْوَلَدُ خَارِجًا مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ عَبْدٌ لِسَيِّدِهِ، لَا يُعْتَقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ، وَإِنْ نَكَلَ السَّيِّدُ عَنِ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الْأُمِّ وَصَارَ تَبَعًا لَهَا إِذَا حَلَفَتْ، وَإِنْ نَكَلَتْ عَنِ الْيَمِينِ فَفِي رَدِّهَا عَلَى الْوَلَدِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تُرَدُّ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ تَبَعًا لِأُمِّهِ إِنْ حَلَفَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُرَدُّ لِخُرُوجِهِ مِنَ اخْتِلَافِهِمَا وَبِجَهْلِهِ بِكِتَابَتِهَا، ويحكم بقول السيد عن نُكُولِ الْأُمِّ وَيَكُونُ عَبْدًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>