للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب تعجيل الكتابة]

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى قَبُولِ النَّجْمِ إِذَا عَجَّلَهُ له الْمُكَاتَبُ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رحمه الله عليه (قال الشافعي) وإذا كانت دنانير أو دراهم أو مالا يتغير على طول المكث مثل الحديد والنحاس وما أشبه ذلك فأما ما يتغير على طول المكث أو كانت لحمولته مؤنة فليس عليه قبوله إلا في موضعه فإن كان في طريق بخرابة أو في بلد فيه نهب نهب لم يلزمه قبوله إلا أن يكون في ذلك الموضع كاتبه فيلزمه قبوله) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعْجِيلُ مَالِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ نُجُومِهِ كَتَعْجِيلِ السَّلَمِ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَجَمْلَتُهُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مَالُ الْكِتَابَةِ إِذَا عَجَّلَهُ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ مَحَلِّهِ مِنْ أَنْ يَقْبَلَهُ السَّيِّدُ أَوْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ، فَإِنْ قَبِلَهُ عَتَقَ بِهِ الْمُكَاتَبُ، فَإِنْ قِيلَ: فَشَرْطُ الْعِتْقِ أَدَاءُ الْمَالِ عِنْدَ مَحَلِّهِ، فَهَلَّا امْتَنَعَ وُقُوعُ الْعِتْقِ بِدَفْعِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ دَفَعْتْ إِلَيَّ أَلْفًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَدَفَعَهَا فِي شَعْبَانَ لَمْ يَعْتِقْ؟

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ فِي الْكِتَابَةِ مُعَاوَضَةً يَغْلِبُ حُكْمُهَا عَلَى الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ، وَلِذَلِكَ عَتَقَ بِالْإِبْرَاءِ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَعْتِقَ بِالتَّقَدُّمِ، وَلَيْسَ كَالْعِتْقِ بِالصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ دُونَ الْعِوَضِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ أَبْرَأَهُ فِيهَا مِنَ الْمَالِ لَمْ يُعْتَقْ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَدَّمَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَإِنِ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ قَبُولِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَلَا يَخْلُو تأخير قبضه من أن يكون فيه غرضصحيح لِقَاصِدٍ أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَ فِي تَأْخِيرِ قَبْضِهِ غَرَضٌ مَعْهُودٌ يَصِحُّ لِقَاصِدٍ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ طَعَامًا رَطْبًا إِنْ تُرِكَ إِلَى أَجْلِهِ فَسَدَ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا يَحْتَاجُ إلى مؤونة أَوْ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ مَوْتٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَمْوَالِ الْبَاقِيَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ لِإِحْرَازِهَا إلى محلها مؤونة، فَلَا يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ قَبْلَ مَحَلِّهِ، لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الضَّرَرِ فِي تَعَجُّلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي تَأْخِيرِ قَبْضِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، فَهُوَ أَنْ يكون المال مأمون التلف معدوم المؤونة كَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، فَعَلَيْهِ قَبُولُهُ إِذَا كَانَ الرَّدَى مَأْمُونًا، لِمَا رَوَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>