للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعقد عليه بيع لازم لتنافيها، ولأن مالك يَقُولُ: إِنْ وَصَلَ الْمُشْتَرِي إِلَى نُجُومِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْكِتَابَةِ مَلَكَ رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ وَهَذَا يُوجِبُ فَسَادَ ابْتِيَاعِهِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ دَرَكَ مَا فَاتَ قَبْضُهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْبَائِعِ، وَقَدْ عَدَلَ بِهِ إِلَى جِهَةِ الْمُكَاتَبِ،

وَالثَّانِي: أَنَّ الدَّرَكَ اسْتِرْجَاعُ الثَّمَنِ، وَقَدْ عَدَلَ بِهِ إِلَى رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ جَعَلَ وَلَاءَهُ لِغَيْرِ مُعْتِقِهِ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ عَدَلَ بِعِتْقِهِ عَنِ الصِّفَةِ الْمَعْقُودَةِ فِي قَوْلِ الْبَائِعِ: إِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ آخِرَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ، إِلَى صِفَةٍ غَيْرِ مَعْقُودَةٍ فِي أَنَّهُ إِذَا أَدَّى إِلَى الْمُشْتَرِي صَارَ حُرًّا.

وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ جَعَلَهُ عَقْدًا عَلَى مَجْهُولٍ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ مِلْكِ الْمَالِ أَوِ السَّرِقَةِ، فَأَمَّا بَيْعُ بَرِيرَةَ فَإِنَّمَا عُقِدَ عَلَى رَقَبَتِهَا بَعْدَ الْعَجْزِ، لِأَنَّهَا أَتَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَسْتَعِينُ بِهَا فِي مَالِ كِتَابَتِهَا، وَالْبَيْعُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَى مِلْكٍ كَمَا ذَكَرَهُ.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (فَإِنْ أَدَّى إِلَى الْمُشْتَرِي كِتَابَتَهُ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ عَتَقَ كَمَا يُؤَدِّي إِلَى وَكِيلِهِ فَيُعْتَقُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا صَحَّ بِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ بَيْعَ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ بَاطِلٌ، فَقَبَضَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ مَالَ نُجُومِهِ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا: إِنْ أَدَّاهَا بِأَمْرِ سَيِّدِهِ عَتَقَ، وَحَكَى الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: فَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يُخَرِّجُ اخْتِلَافَ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُعْتَقُ بِأَدَائِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ أَدَاؤُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ أَقَامَهُ بِالْعَقْدِ مَقَامَ نَفْسِهِ، فَصَارَ بِمَثَابَةِ وَكِيلِهِ فِي قَبْضِهِ، وَهُوَ يُعْتَقُ بِأَدَائِهِ إِلَى الْوَكِيلِ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَ بِأَدَائِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِأَدَائِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ عَتَقَ بِأَدَائِهِ إِلَى الْوَكِيلِ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِي قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ، فَكَانَ الْأَدَاءُ إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِهِ، وَالْوَكِيلُ قَبَضَهُ لِمُوكِّلِهِ، فَصَارَ إِلَى مُسْتَحَقِّهِ، فَعَتَقَ بِهِ.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَيْسَ اخْتِلَافُ الْجَوَابِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يُرَاعَى حَالُ الْأَدَاءِ، فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ السَّيِّدِ عَتَقَ بِهِ، لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ كَيْفَ شَاءَ، وَيُمَلِّكَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ لَهُ، وَغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَدَاءُ بِغَيْرِ أَمْرِ السَّيِّدِ لَمْ يُعْتَقْ بِهِ الْمُكَاتَبُ مَا لَمْ يُخْبَرْ حَالَهُ، لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>