للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

فَإِنْ لَمْ يُنْظِرُوهُ وَطَالَبُوهُ بِحُقُوقِهِمْ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّيِّدِ وَمُسْتَحِقِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يُعَجِّزَهُ وَلَيْسَ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ تَعْجِيزُهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ تَعْجِيزُهُ أَيْضًا، وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ.

وَدُيُونُ الْمُعَامَلَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ، وَتَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَفِيمَا بِيَدِهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَرْبَابِهَا تَعْجِيزُهُ بِهَا، وَاخْتُصَّ السَّيِّدُ وَصَاحِبُ الْجِنَايَةِ بِتَعْجِيزِهِ، وَلَهُمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إِنْظَارِهِ، فَيَكُونَ لَهُمَا ذَلِكَ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ فِيهِ، وَيَكْتَسِبُ بَعْدَ الْإِنْظَارِ، وَفِيمَا اسْتَفَادَهُ مِنْ كَسْبٍ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْتَصَّ بِأَرْبَابِ الدُّيُونِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ أُسْوَةً بَيْنَ جَمِيعِ الحقوق.

والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَعْجِيزِهِ وَإِعَادَتِهِ عَبْدًا، فَلَهُمَا ذَلِكَ، فَإِذَا صَارَ بِالتَّعْجِيزِ عَبْدًا كَانَتِ الدُّيُونُ فِي ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهَا بَعْدَ عِتْقِهِ وَيَسَارِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ السَّيِّدُ مِنْهَا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ يُقَالُ لِلسَّيِّدِ بَعْدَ التَّعْجِيزِ أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَفْدِيَهُ مِنْ أَرْشِ جِنَايَاتِهِ اسْتِبْقَاءً لِمِلْكِهِ أَوْ يُبَاعَ فِيهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ بِيعَ فِي جِنَايَاتِهِ، فَإِنْ كَثُرَتْ وَكَانَ مُسْتَحِقُّوهَا أُسْوَةً فِي ثَمَنِهِ بِقَدَرِ أُرُوشِهِمْ، وَسَوَاءٌ فِيهَا مَنْ تَقَدَّمَتْ جِنَايَتُهُ أَوْ تَأَخَّرَتْ، فَإِنْ فَضَلَ لَهُمَا فَضْلٌ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مِن اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ، هَلْ وَجَبَتِ ابْتِدَاءً فِي رَقَبَتِهِ أَوْ وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَانْتَقَلَتْ إِلَى رَقَبَتِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَتِ ابْتِدَاءً فِي رَقَبَتِهِ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا هَدَرًا.

وَإِنْ قِيلَ: وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ انْتَقَلَتْ إِلَى رَقَبَتِهِ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يَفْدِيَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ، فَفِيمَا يَفْدِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَفْدِيهِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ لَا غَيْرَ، يَشْتَرِكُ فِيهَا أَرْبَابُ الْجِنَايَاتِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَفْدِيهِ بِأُرُوشِ جِنَايَاتِهِ كُلِّهَا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الْقِيمَةِ أَضْعَافًا.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَدْعُوَ السَّيِّدُ إِلَى إِنْظَارِهِ، وَيَدْعُوَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ إِلَى تَعْجِيزِهِ فَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ إِنْ ضَمِنْتَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، فَلَكَ إِنْظَارُهُ، وَفِي قَدْرِ مَا يَضْمَنُهُ مِنْهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، فَلِصَاحِبِهَا تَعْجِيزُهُ وَبَيْعُهُ فِي جِنَايَاتِهِ لِيَصِلَ إِلَى حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>