للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلَادِنَا، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِلَى أَنْ نَهَانَا عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ، فَانْتَهَيْنَا.

وَمَا ثَبَتَ جَوَازُهُ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يُحَرَّمْ بَعْدَهُ بِنَهْيِ غَيْرِهِ عَنْهُ، وَلِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ فِي عَامَّةِ أَحْكَامِهَا كَالْأَمَةِ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا كَالْأَمَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُهَا قَبْلَ الْعُلُوقِ وَجَبَ اسْتِصْحَابُ هَذَا الْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَوْلَدَهَا بِعَقْدِ نِكَاحٍ ثُمَّ مَلَكَهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بَيْعُهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ كَذَلِكَ إِذَا أَوْلَدَهَا فِي مِلْكِهِ، لِأَنَّهَا فِي الْحَالَيْنِ أُمُّ وَلَدٍ. وَدَلِيلُنَا: مَا رُوِيَ أَنَّ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ وَكَانَتْ أُمَّ وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَوْلَدَهَا ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ مَاتَ عَنْهَا وَلَهُ سَنَتَانِ، فَلَمَّا احْتَضَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: (مَا أُخَلِّفُ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا أَمَةً قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عنها: فمارية؟ فقالت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: تِلْكَ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا) .

وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ذُكِرَتْ مَارِيَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا

وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: عَهِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ حُرَّةٌ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهِيَ لَا تُعْتَقُ بِوَلَدِهَا، وَإِنَّمَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، فَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الظَّاهِرِ دَلِيلٌ.

قِيلَ: إِنَّمَا يَتَحَرَّرُ عِتْقُهَا بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَالْمُعْتِقُ لَهَا وَلَدُهَا، فَصَارَ الْوَلَدُ هُوَ الْمُعْتِقَ لَهَا كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِذَا مَاتَ زَيْدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ بِمَوْتِ زَيْدٍ، وَكَانَ السَّيِّدُ هُوَ الْمُعْتِقَ، وَرَوَى عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَنَّهُ قَالَ: " أَيُّمَا أَمَةٍ، وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ ".

وَرَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَقَالَ: لَا يُبَعْنَ وَلَا يُرْهَنَّ وَلَا يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا فِي حَيَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ ".

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا نُصِيبُ السَّبَايَا، وَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ فَنَعْزِلُ عَنْهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (وَمَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، فَمَا نَسْمَةٌ قَضَى اللَّهُ خَلْقَهَا إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ) ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِيلَادَهَا مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهَا.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا أَفَاقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مِنْ إِغْمَائِهِ قَالَ: (اسْتَوْصُوا بِالْأُدْمِ الْجُعْدِ خَيْرًا) يُكَرِّرُ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالُوا مَنِ الْأُدْمُ الْجُعْدُ قَالَ: قِبْطُ مِصْرَ، فَإِنَّهُمْ أَخْوَالٌ وَأَصْهَارٌ) يُرِيدُ بِذَلِكَ: قَوْمَ مَارِيَةَ أُمِّ وَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ، لِيَكُونَ انْتِشَارُ الْحُرْمَةِ إِلَى قَوْمِهَا تَنْبِيهًا عَلَى ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لَهَا، وَدَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِهِ لِكُلٍّ مَنْ كَانَ بِمَثَابَتِهَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لِكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ، وَلَوْلَا انْتِشَارُ الْحَظْرِ بَيْنَهُمْ لَكَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فيهم ومستعملا بينهم، ولأن

<<  <  ج: ص:  >  >>