للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا مَاتَ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ، وَلَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاءُ، لِأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ فَأَوْجَبَ، زَوَالُهُ أَنْ تَسْتَبْرِئَ كَالزَّوْجَاتِ وَالْإِمَاءِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَدْرِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِحَيْضَةٍ كَالْأَمَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءَ كَالْحُرَّةِ مِنْ طَلَاقٍ.

وَقَالَ سُفْيَانُ: تستبرئ نفسها بقرءين.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَبِهِ قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْعِدَدِ بِمَا أَقْنَعَ.

وَإِذَا كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ عَنْ وَطْءٍ فِي مِلْكٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ إِلَّا كَالْأَمَةِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ بِحُدُوثِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا لَوْ أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ الْمُسْتَبْرَأَةُ.

فَصْلٌ

وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ كَالْأَمَةِ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، أَوْ حَائِلًا، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، لِأَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ أَوْ مُؤَيَّسَةً فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَيَّسَةً فَفِي اسْتِبْرَاءِ نَفْسِهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهَا تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِشَهْرٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ كل حيضةت فِي الْعِدَّةِ، تُقَابِلُ شَهْرًا كَالْحُرَّةِ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ عَنْ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ الزَّمَانِ الَّذِي يُعْلَمُ فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الرَّحِمُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (يَكُونُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا) فَصَارَ انْعِقَادُهُ مُضْغَةً فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ، فَلِذَلِكَ تُقَدِّرُ الِاسْتِبْرَاءَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَاسْتَوَتْ فِيهِ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ كَاسْتِوَائِهَا فِي الْحَمْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَجَّلَ السَّيِّدُ عِتْقَهَا اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا كَمَا لَوْ مَاتَ.

[مسألة]

قال المزني: قُلْتُ: أَنَا: (قَدْ قَطَعَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ كِتَابًا بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَوَقَفَ فِي غَيْرِهَا) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي قَدِيمٍ وَلَا جَدِيدٍ فِي عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَتَحْرِيمِ بَيْعِهِنَّ فِي حَيَاتِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُزَنِيُّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَوَقَفَ فِي غَيْرِهَا) ، فَلِأَصْحَابِنَا فِي الْجَوَابِ عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>