للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ: أَنَّهُ إن بقي معه بعد انعقادها بالأربعين واحدا بَنَى عَلَى الْجُمْعَةِ، وَإِنْ بَقِيَ وَحْدَهُ صَلَّى ظُهْرًا أَرْبَعًا.

فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ فِي افْتِتَاحِهَا وَاسْتَدَامَتِهَا وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ وَأَوْلَاهَا فَوَجْهُهُ: شَيْئَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ اخْتَصَّ بالجمعة في افْتِتَاحُهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ اسْتَدَامَتُهُ إِلَى إِثْبَاتِهَا، كَسَائِرِ الشروط مِنَ الْوَقْتِ وَالِاسْتِيطَانِ وَغَيْرِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ خُطْبَةَ الْجُمْعَةِ أَخَفُّ حُكْمًا مِنْ صَلَاةِ الْجُمْعَةِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمْعَةَ مَنْ لَمْ يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَدَدُ شَرْطًا فِي اسْتِدَامَةِ الْخُطْبَةِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي اسْتِدَامَةِ الْجُمْعَةِ.

فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ فِي افْتِتَاحِهَا دُونَ اسْتَدَامَتِهَا وَمَتَى بَقِيَ مَعَهُ اثْنَانِ جَازَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْجُمْعَةِ فَوَجْهُهُ: تَقْدِيمُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي اسْتَدَامَتِهَا، ثُمَّ الدَّلَالَةُ عَلَى اعْتِبَارِ الِاثْنَيْنِ.

فَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الِاسْتِدَامَةِ فَهُوَ:

أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ ضَبْطُهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَهُوَ إِذَا أَحْرَمَ لَمْ يُمْكِنْهُ الِاحْتِرَازُ مِنَ انْفِضَاضِهِمْ، وَيُمْكِنُهُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْعَدَدُ شَرْطًا فِي افْتِتَاحِهَا، لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِي اعْتِبَارِهِ وَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الِاسْتِدَامَةِ لِإِدْرَاكِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ، وَتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ، فَشَابَهَ النِّيَّةَ لَمَّا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ اعْتِبَارُهَا مَعَ الْإِحْرَامِ كَانَ مُؤْخَذًا بِهَا، وَلَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ اسْتَدَامَتُهَا فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا قد تعذب عنه لم يكن مؤخذا بها إذا عذبت فِي أَثْنَائِهَا، وَلِهَذَا الْمَعْنَى فَارَقَ الْوَقْتَ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ اسْتَدَامَتِهِ يُمْكِنُ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ شَرْطًا فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ دُونَ اسْتَدَامَتِهَا وَإِثْبَاتِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ شَرْطٌ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي اسْتَدَامَتِهَا، كَذَلِكَ الْعَدَدُ فِي الْجُمْعَةِ.

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ فِي افْتِتَاحِهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي اسْتَدَامَتِهَا فَالدَّلَالَةُ عَلَى اعْتِبَارِ الِاثْنَيْنِ، وَجَوَازِ إِتْمَامِ الْجُمْعَةِ بِهَا هُوَ:

أَنَّ الْجُمْعَةَ تَفْتَقِرُ إِلَى الْجَمَاعَةِ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ الْكَامِلِ ثَلَاثَةٌ.

وَإِذَا قِيلَ إِنَّهُ مَتَى بَقِيَ مَعَهُ وَاحِدٌ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْجُمْعَةِ فَوَجْهُهُ: أَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ فِي افْتِتَاحِهَا شَرْطًا فِي اسْتَدَامَتِهَا، وَافْتَقَرَتْ إِلَى الْجَمَاعَةِ، كَانَ أَقَلُّهَا فِي الشَّرْعِ اثْنَيْنِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>