للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَعَلَى هَذَا هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْوَاحِدِ أَوِ الِاثْنَيْنِ وَصْفُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمْعَةُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمْعَةُ حُرًّا، بالغا، مقيما. فإن كان عبدا أو امرأة صبيا أو مسافرا أو بَنَى عَلَى الظُّهْرِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مُعْتَبَرٌ فِي صَلَاةِ الْجُمْعَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ أَوْصَافُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمْعَةُ كَالْأَرْبَعِينَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ هَذَا الْوَصْفِ، وَمَتَى كَانَ الْبَاقِي عَبْدًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ مُسَافِرًا جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْجُمْعَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا عَدَلَ بِهِ عَنْ حُكْمِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ فِي افْتِتَاحِ الْجُمْعَةِ إِلَى الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ فِي صِحَّةِ الْجَمَاعَةِ لَمْ يَعْتَبِرْ وَصْفَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمْعَةُ، وَاعْتَبَرَ حَالَ مَنْ تَصِحُّ بِهِ الْجَمَاعَةُ.

فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ خَرَّجَ قَوْلًا رَابِعًا: إِنَّهُ إِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ أَدْرَكَ مَعَهُمْ رَكْعَةً بَنَى عَلَى الْجُمْعَةِ، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ بَنَى عَلَى الظُّهْرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَثْبَتَهُ، وَعَدَّهُ قَوْلًا رَابِعًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ، وَامْتَنَعَ مِنْ تَخْرِيجِهِ قَوْلًا رَابِعًا، فَمَنْ أَثْبَتَهُ فَوَجْهُهُ: أَنَّ الْجُمْعَةَ لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا بِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ، فَلَمَّا جَازَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْجُمْعَةِ إِذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، جَازِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْجُمْعَةِ إِذَا أَدْرَكَ مَعَ الْمَأْمُومِينَ رَكْعَةً.

وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ وَامْتَنَعَ مِنْ تَخْرِيجِهِ انْفَصَلَ عَنْ هَذَا، وَفَرَّقَ بَيْنَ حَالِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَقَالَ: إِنَّمَا جَازَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْجُمْعَةِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ لِانْعِقَادِ الْجُمْعَةِ وَحُصُولِهَا لِلْإِمَامِ، فَكَانَ تَابِعًا لِمَنْ كَمُلَتْ بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْجُمْعَةِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مَعَ الْمَأْمُومِينَ، لِأَنَّهَا تَكْمُلُ بِعَدَدٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَابِعًا، وَلَا صِحَّةَ لَهُمْ فَتَصِحُّ لَهُ وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ولو ركع مع الإمام ثم زحم فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ حَتَى قَضَى الْإِمَامُ سُجُودَهُ تَبِعَ الْإِمَامَ إِذَا قَامَ وَاعْتَدَّ بِهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأُولَى فَلَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ حَتَّى يَرْكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يكن له أن يسجد للركعة الْأُولَى إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إِمَامَتِهِ لِأَنَّ أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا سَجَدُوا لِلْعُذْرِ قَبْلَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ فَيَرْكَعُ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَتَسْقُطُ الْأُخْرَى وَقَالَ فِي الإملاء فيها قولان: أحدهما لا يتبعه ولو ركع حتى يفرغ مما بقي عليه والقول الثاني: إن قضى ما فات لم يعتد به وتبعه فيما سواه (قال المزني) قلت أنا الأول عندي أشبه بقوله قياسا على أن السجود إنما يحسب له إذا جاء والإمام يصلي بإدراك الركوع ويسقط بسقوط إدراك الركوع وقد قال إن سها عن ركعة ركع الثانية معه ثم قضى التي سها عنها وفي هذا من قوله لأحد قوليه دليل وبالله التوفيق ".

<<  <  ج: ص:  >  >>