للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا الْحَالُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا: فَهِيَ مِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى زَوَالِ الشَّمْسِ، فَفِي جَوَازِ إِنْشَاءِ السَّفَرِ فِيهِ قَوْلَانِ.

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ العوام وأبو عبيد بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ: يُجَوِّزُ أَنْ يَبْتَدِئَ فِيهِ السَّفَرَ، لِرِوَايَةِ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَهَّزَ جَيْشَ مَؤْتَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَتَأَخَّرَ عَنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ لِلصَّلَاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا الَّذِي أَخَّرَكَ عَنْهُمْ؟ قَالَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَزْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَرَاحَ مُنْطَلِقًا.

وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَافَرَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا بِهَيْئَةِ السَّفَرِ وَهُوَ يَقُولُ: لَوْلَا الْجُمْعَةُ لَسَافَرْتُ. فَقَالَ: اخْرُجْ، فَإِنَّ الْجُمْعَةَ لَا تَمْنَعُ مِنَ السَّفَرِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لَا يَجُوزُ لَهُ إِنْشَاءُ السَّفَرِ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمْعَةَ، لِأَنَّ هَذَا زَمَانٌ قَدْ يَتَعَلَّقُ حُكْمُ السَّعْيِ فِيهِ لِمَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ عَنِ الْمَسْجِدِ فِي الْمِصْرِ أَوْ مَا قَارَبَهُ إِذَا كَانَ لَا يُدْرِكُ الْجُمْعَةَ إِلَّا بِالسَّعْيِ فِيهِ، فَكَانَ حُكْمُ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى وَقْتِ الزَّوَالِ كَحُكْمِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي وُجُوبِ السَّعْيِ فِيهِمَا، فَوَجَبَ أَنْ يستوي حكمهما في تحريم السفر فيهما والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>