للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ: هُوَ أَنَّهُ وَقْتٌ يَحِلُّ فِيهِ أَدَاءُ الْعَصْرِ بِكُلِّ حَالٍ فَلَمْ يَجُزْ أَدَاءُ الْجُمْعَةِ فِيهِ، أَصْلُهُ: إِذَا أَرَادَ اسْتِئْنَافَ الْجُمْعَةِ فِيهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ كُلُّ الْجُمْعَةِ لَمْ يَصْحَّ فِيهِ جُزْءٌ مِنْهَا، قِيَاسًا عَلَى الزَّوَالِ. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ: فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْجُمْعَةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْعَدَدِ: فَإِنْ قَاسَهُ عَلَى الْمَأْمُومِ إِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً فَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْجُمْعَةِ لِأَدَاءِ الْجُمْعَةِ بِالْعَدَدِ الْكَامِلِ، فَكَانَ بَالِغًا لَهُمَا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُؤَدِّ الْجُمْعَةَ فِي وَقْتِهَا، فَلَمْ يَجُزِ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا، وَإِنْ قَاسَهُ عَلَى الْإِمَامِ قُلْنَا فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَبْنِي عَلَى الظُّهْرِ، فَعَلَى هَذَا قَدِ اسْتَوَيَا.

وَالثَّانِي: يَبْنِي عَلَى الْجُمْعَةِ فَعَلَى هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنَ انْفِضَاضِ الْعَدَدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا فِي فَوَاتِهِ، فَجَازَ أَنْ يُتِمَّهَا جُمْعَةً، وَالِاحْتِرَازُ مِنْ خُرُوجِ الْوَقْتِ مُمْكِنٌ، فَكَانَ مُفَرِّطًا فِي فَوَاتِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُتِمَّهَا جُمْعَةً.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ يَبْنِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنْ وَقْتَ الظُّهْرِ مماذج لِوَقْتِ الْعَصْرِ، فَلِذَلِكَ جَوَّزَ اسْتِئْنَافَ الْجُمْعَةِ فِيهِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا أبو حنيفة فَاسْتَدَلَّ مِنْ نَصِّ قَوْلِهِ بِأَنْ قَالَ: بِأَنَّهَا تَحْرِيمَةٌ أَوْجَبَتِ الْجُمْعَةَ، فَلَمْ يَجُزْ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَيْهَا، أَصْلُهُ إِذَا كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، قَالَ: وَلِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، لَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا هِيَ الْأُخْرَى وَلَا بَعْضُهَا، بِدَلَالَةِ أَنَّ الْجُمْعَةَ يُجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا، وَتُخْتَصُّ بِشَرَائِطَ لَا يُخْتَصُّ الظُّهْرُ بِهَا، وَإِذَا صَحَّ أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ لَمْ يَجُزْ بِنَاءُ أَحَدِهِمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْأُخْرَى، كَالصُّبْحِ وَالظُّهْرِ.

وَهَذَا خَطَأٌ. وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ: أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ يَسْقُطُ فَرْضُ أَحَدِهِمَا بِفِعْلِ الْأُخْرَى، فَجَازَ أَنْ يُبْنَى التَّمَامُ مِنْهُمَا عَلَى الْمَقْصُورِ، أَصْلُهُ إِذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ مُسَافِرًا ثُمَّ صَلَّى مُقِيمًا، وَلِأَنَّ الْجُمْعَةَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ بِشَرَائِطَ فَوَجَبَ إِذَا انْخَرَمَ بَعْضُ شَرَائِطِهَا أَنْ لَا تَبْطُلَ، وَتَعُودَ إِلَى حُكْمِ أَصْلِهَا أَرْبَعًا، كَمَا أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ إِذَا انْخَرَمَ بَعْضُ شَرَائِطِهَا لَمْ تَبْطُلْ، وَعَادَتْ إِلَى حُكْمِ أَصْلِهَا أَرْبَعًا، وَلِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ كَمَا أَنَّ الْوَقْتَ شَرْطٌ، فَلَمَّا لَمْ تَبْطُلِ الْجُمْعَةُ بِفَقْدِ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ الْعَدَدُ إِذَا نَقَصَ، لَمْ تَبْطُلْ بِفَقْدِ الْآخَرِ، وَهُوَ الْوَقْتُ إِذَا خَرَجَ وَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْجُمْعَةِ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَاءٌ، وَالْجُمْعَةُ لَا تُقْضَى.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ إِذَا كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا: فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِئْنَافُ الْجُمْعَةِ فِيهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الظُّهْرِ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزِ اسْتِئْنَافُ الْجُمْعَةِ بَعْدَ الْوَقْتِ جَازَ الْبِنَاءُ عَلَى الظُّهْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>