للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَبِي إِسْحَاقَ إِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ لِضَرُورَةٍ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّكُوبِ، وَحَمَلَا جَوَابَ الشَّافِعِيِّ عَلَى فِعْلِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، لِأَنَّ صَلَاةَ الخوف مفارقة ل " صلاة الْأَمْنِ " مِنَ الضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى إِلَى جَوَازِ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ فِيهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزِ اسْتِدْبَارُهَا فِي صَلَاةِ الْأَمْنِ مَعَ الضَّرُورَةِ.

وَقَالَ غَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا: قَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ مع الضرورة والاختيار اعتبارا بظاهر نصه وأخذ بِمُوجَبِ تَعْلِيلِهِ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الرُّكُوبِ وَأَمَّا إِذَا تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ مَهِيبًا أَوْ مُسْتَنْجِدًا أَوْ مُحَذِّرًا أَوْ مُخْتَارًا أَوْ مُضْطَرًّا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا لِأَنَّ يَسِيرَ الْعَمَلِ مُبَاحٌ وَيَسِيرَ الْكَلَامِ غَيْرُ مُبَاحٍ.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ إِبِلًا فظنوهم عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف يؤمنون إيماء ثم بان لهم أنه ليس عدو أَوْ شَكُّوا أَعَادُوا وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يُعِيْدُونَ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا وَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) قلت أنا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ يُعِيدُوا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وأصل هذا أن صلاة الْخَوْفِ بِالْإِيمَاءِ رُخْصَةٌ لِلضَّرُورَةِ وَالْعَجْزِ، فَإِذَا كَانُوا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَرَأَوْا سَوَادًا مُقْبِلًا أَوْ إِبِلًا سَائِرَةً فَظَنُّوا أَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ أَظَلَّهُمْ فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ إِيمَاءً إِلَى قِبْلَةٍ وَإِلَى غَيْرِهَا ثُمَّ بَانَ لَهُمْ خِلَافُ مَا ظَنُّوا فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِمْ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْإِمْلَاءِ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ هَذِهِ الصَّلَاةَ عِنْدَ وُجُودِ الْخَوْفِ لَا عِنْدَ وُجُودِ الْعَدُوِّ وَقَدْ كَانَ الْخَوْفُ الْمُبِيحُ مَوْجُودًا وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ مَعْدُومًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْأُمِّ: عَلَيْهِمُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا فَتَرْكُهُ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ وَالْخَطَأِ كَتَرْكِهِ عَمْدًا فِي الْإِيجَابِ وَقَدْ تَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتِيفَاءَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ خَاطِئًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلصَّلَاةِ قَاضِيًا.

قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كان ببلاد الإسلام قرأوا سَوَادًا فَظَنُّوا عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ ثُمَّ بَانَ لَهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ عَدُوٍّ فَعَلَيْهِمُ الْإِعَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ ظَنَّهُمْ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ أَقْوَى مِنْ ظَنِّهِمْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَهَذَا قَوْلُهُمْ وَلَمْ أَرَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خالف ولا وجه للشافعي يُعَضِّدُهُ أَوْ يُعَارِضُهُ إِلَّا الْحُجَّاجَ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي تَسْوِيَةَ الْحُكْمِ فِي الْحَالَيْنِ.

فَلَوْ غَشِيَهُمُ الْعَدُوُّ فَظَنُّوا أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ ثُمَّ بَانَ لَهُمْ أَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ نَهْرًا أَوْ جَيْشًا حَائِلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَانِعًا فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِمْ قَوْلَانِ، ولكن

<<  <  ج: ص:  >  >>