للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشْرُ خُطَبٍ: خُطْبَةُ الْجُمْعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَالْخُسُوفِ، وَالْكُسُوفِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَأَرْبَعُ خُطَبٍ فِي الْحَجِّ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيَوْمَ الْعَاشِرِ، وَالثَّانِيَ عَشَرَ، وَهُوَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ هِيَ نَوْعَانِ نَوْعٌ مِنْهَا يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ، وَنَوْعٌ يَتَعَقَّبُ الصَّلَاةَ، فَأَمَّا الَّذِي يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ، فخطبتان الجمعة وعرفة، وأما التي تنعقب الصَّلَاةَ فَالثَّمَانِي الْبَاقِيَةُ، وَمَا يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ وَاجِبٌ، وَمَا يَتَعَقَّبُهَا سُنَّةٌ، فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فَخُطَبُ الْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ تُفْعَلُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، لِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَطَبَ لِلْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ تَوَجَّهَ إلى منبره فرقأ عَلَيْهِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى مَوْقِفِهِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ هَذَا يُرْوَى غَالِبًا يَعْنِي السَّلَامَ وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ غَالِبًا فِي الصَّحَابَةِ منتشرا فيهم.

والثاني: يريد فعل السلام ويروى غَالِبًا عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا سَلَّمَ فَهَلْ يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً لِلِاسْتِرَاحَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ يَجْلِسُ بَعْدَ سَلَامِهِ ثُمَّ يَقُومُ إِلَى خُطْبَتِهِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَجْلِسَ، لِأَنَّهُ فِي الْجُمْعَةِ يَجْلِسُ انْتِظَارًا لِلْأَذَانِ، وَلَيْسَ لِلْعِيدِ أَذَانٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَسْكَنَ لِجَسَدِهِ وَأَمْضَى لِخَاطِرِهِ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا خُطْبَتَيْنِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَطَبَ قَائِمًا، فَإِنْ خَطَبَ جَالِسًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ أَجْزَاهُ بِخِلَافِ الْجُمْعَةِ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمْعَةِ فَرْضٌ كَالصَّلَاةِ، فلم يجز أَنْ يَفْعَلَهَا جَالِسًا، وَخُطْبَةُ الْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ كَالصَّلَاةِ فَجَازَ أَنْ يَفْعَلَهَا جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ ابْتَدَأَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى فَكَبَّرَ تِسْعًا تِسْعًا، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا جَلَسَ جِلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ قَامَ إِلَى الثانية فكبر سبعا لرواية عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُكَبِّرَ فِي الْأُولَى تِسْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعًا " وَقَوْلُهُ مِنَ السُّنَّةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَوْ سُنَّةَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ حَسَنٌ، وَلِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ أُقِيمَتَا مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ، فَالْأُولَى تَتَضَمَّنُ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ، وَالثَّانِيَةُ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، فَكَذَلِكَ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، قَالَ الشافعي وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُدْخِلَ بَيْنَ ظَهَرَانَيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>