للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويفعل الناس مثل ذلك وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه كانت عليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها (قال) ويدعو سرا ويدعو الناس معه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ مَسْنُونَةٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى لِلِاسْتِسْقَاءِ مِثْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ سَلَّمَ قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَجْلِسُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ يَبْتَدِئُ الْخُطْبَةَ الْأُولَى بِالِاسْتِغْفَارِ، وَيَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تِسْعًا نَسَقًا، بَدَلًا مِنَ التَّكْبِيرِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ، ثُمَّ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ويقول {استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: ١٠، ١١، ١٢] وَيُبَالِغُ فِي الزَّجْرِ وَالْوَعْظِ، وَالتَّخْوِيفِ، وَذِكْرِ نِعَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَالِفِ أَيَادِيهِ، وَالِاعْتِبَارِ بِالْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ، وَيَسْتَغْفِرُ فِي ابْتِدَائِهَا سَبْعًا نَسَقًا، وَيَدْعُو جَهْرًا، ثُمَّ يَسْتَدْبِرُ النَّاسَ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سِرًّا، وَيَجْهَرُ فِي اسْتِقْبَالِ النَّاسِ، لِأَنَّهُ خَاطِبٌ، وَيُسِرُّ فِي اسْتِدْبَارِهِمْ لِأَنَّهُ دَاعٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ نُوحٍ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح: ٩] فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الجهر والإسرار أولى.

(فَصْلٌ)

: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إِذَا أَرَادَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ أَنْ يُحَوِّلَ رِدَاءَهُ وَيُنَكِّسَهُ، وَتَحْوِيلُهُ أَنْ يَجْعَلَ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَمَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَتَنْكِيسُهُ: أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَأَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يُحَوِّلُ وَلَا يُنَكِّسُ.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يُحَوِّلُ وَلَا يُنَكِّسُ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ أَسْفَلَهَا أَعْلَاهَا فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ فَحَوَّلَهَا، فَثَبَتَ عَنْهُ التَّحْوِيلُ، وَنَبَّهَ عَلَى التَّنْكِيسِ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ، وَلِأَنَّ فِي التَّحْوِيلِ تَفَاؤُلٌ بِالِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْقُلَهُمْ مَنْ حال القحط إلى حال السعة والخصب.

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِمْ " اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ فَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتَنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قارفنا وإجابتك

<<  <  ج: ص:  >  >>