للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: اسْتِعْمَالٌ، فَأَمَّا التَّرْجِيحُ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ رَاوِي خَبَرِنَا شَاهَدَ الْحَالَ، وَهُوَ جَابِرٌ وَأَنَسٌ وَرَاوِي خَبَرِهِمُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُشَاهِدِ الْحَالَ، لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَامَ أُحُدٍ سَنَتَانِ، وَمَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَهُ تِسْعُ سِنِينَ.

وَالثَّانِي: مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ بَعْضِهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَخَبَرُهُمْ مُخْتَلَفٌ فِي اسْتِعْمَالِ جَمِيعِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ خَبَرَنَا نَاقِلٌ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حُكْمِ الصَّلَاةِ، وَخَبَرَهُمْ مُبْقٍ لِحُكْمِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ خَبَرُنَا أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّرْجِيحِ، وَأَمَّا الِاسْتِعْمَالُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنْ نَحْمِلَ رِوَايَتَهُمْ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُمْ دُونَ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُهَا بِإِحْرَامٍ وَيَخْرُجُ مِنْهَا بِسَلَامٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ نَحْمِلَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُمْ بِإِجْمَاعِنَا وَإِيَّاهُمْ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ فَلِأَنَّهُ قُتِلَ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَمُنْتَقِضٌ بِالَّذِي إِذَا قَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ هُوَ مَقْتُولٌ ظُلْمًا ثُمَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِيمَنْ قُتِلَ فِي غير الْمُعْتَرَكِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ، فَلِذَلِكَ صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ الْمَقْتُولُ فِي الْمُعْتَرَكِ لَا يُغَسَّلُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهَا اسْتِغْفَارٌ فَيَفْسُدُ بِالسَّقْطِ.

فَصْلٌ

: إِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَقْتُولَ فِي الْمُعْتَرَكِ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ وَاجِبٌ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، وَثِيَابُهُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا حَقٌّ لِوَلِيِّهِ، إِنْ شَاءَ نَزَعَهَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ كَفَّنَهُ فِيهَا.

وَقَالَ أبو حنيفة لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْهُ ثِيَابَهُ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " زَمِّلُوهُمْ فِي كُلُومِهِمْ ".

وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ " أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَلِيفًا لَهُ لَمَّا قُتِلَا يَوْمَ أُحُدٍ هَمَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِيَدْفِنَهُمَا بِثِيَابِهِمَا فَمَنَعَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطْلِبِ مِنْ ذَلِكَ وَجَاءَتْ بِثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ فَكَفَّنَهُمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهِمَا وَدَفَنَهُمَا مَعًا " فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِوَلِيِّهِمَا الْخِيَارَ فِي تَرْكِهَا أَوْ أَنْ يَنْزِعَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِي غَيْرِهَا وَيَدْفِنَهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا كَانَ أَوْلَى إِلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِعَ عَنْهُ الْخِفَافَ وَالْفِرَاءَ وَمَا لَيْسَ مِنْ لِبَاسِ النَّاسِ غَالِبًا عَامًّا، وَيَتْرُكَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ غَالِبِ اللِّبَاسِ مَخِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَخِيطٍ.

فَصْلٌ

: قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْقَتِيلِ فِي مُعْتَرَكِ الْمُشْرِكِينَ، وَسَوَاءٌ قُتِلَ بِالْحَدِيدِ أَوْ بِحَجَرِ المنجنيق، أو رفس حيوان، أو تردي مِنْ جَبَلٍ، أَوْ سقوط فِي بِئْرٍ أَوْ عُصِرَ فِي زَحْمٍ، عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، أَوْ مَاتَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ بِسَبَبٍ مِنْ مُشْرِكٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ قَتْلُ شَهَادَةٍ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَمُوتَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَتْفَ أَنْفِهِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ جُرِحَ فِي حَرْبٍ ثُمَّ خَلَصَ حَيًّا فَمَاتَ مِنْ جِرَاحَتِهِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>