للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَإِذا كَانَت الْجَارِيَة بَين شَرِيكَيْنِ فَجَاءَت بِولد فَادَّعَاهُ أَحدهمَا ثَبت نسبه مِنْهُ وَصَارَت أم ولد لَهُ وَإِن ادعياه مَعًا ثَبت نسبه مِنْهُمَا وَصَارَت أم ولد لَهما مَعْنَاهُ إِذا حملت على ملكهمَا وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يرجع إِلَى قَول الْقَافة لِأَن إِثْبَات النّسَب من شَخْصَيْنِ مَعَ علمنَا أَن الْوَلَد لَا يتخلق من ماءين مُتَعَذر فعملنا بالشبه قلت وَيجوز أَن يتخلق الْوَلَد من مَاء ذكر وَأُنْثَى أَلا ترى أَن الكلبة تعلق من كلاب جمة لِأَن الرَّحِم لَا يجوز أَن يستد بوصول مَاء أَحدهمَا إِلَّا بعد مُدَّة ثمَّ يصل مَاء الآخر إِلَيْهِ أُشير إِلَيْهِ فِي أدب الْقَضَاء للسروجي

الْفَصْل السَّادِس عشر فِي الْأَيْمَان

الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى تَنْقَسِم على ثَلَاثَة أضْرب غموس ولغو ومنعقدة فالغموس هُوَ الْحلف على اثبات شَيْء أَو نَفْيه فِي الْمَاضِي أَو فِي الْحَال بتعمد الْكَذِب فِيهِ وَإِنَّمَا سمي غموسا لانغماس صَاحبهَا فِي الاثم ثمَّ فِي النَّار وَلَيْسَ عَلَيْهِ الا التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار وَلم تجب فِيهِ الْكَفَّارَة عندنَا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد رحمهمَا الله وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِيهِ الْكَفَّارَة

وَأما يَمِين اللَّغْو فَهُوَ الْحلف على أَمر فِي الْمَاضِي أَو فِي الْحَال وَهُوَ يظنّ أَنه كَمَا قَالَ وَالْأَمر بِخِلَافِهِ فاللغو فِي الْمَاضِي أَن يَقُول وَالله مَا دخلت الدَّار أَو وَالله لقد دخلت الدَّار وَهُوَ يظنّ أَنه لم يدخلهَا أَو دَخلهَا وَالْأَمر بِخِلَاف ذَلِك وَفِي الْحَال كمن رأى شخصا من بعيد فَقَالَ وَالله إِنَّه لزيد يَظُنّهُ زيدا وَهُوَ عَمْرو أَو رأى طائرا فَقَالَ وَالله إِنَّه لغراب فَظَنهُ غرابا وَهُوَ حدأة فَهَذَا تَفْسِير اللَّغْو عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى هُوَ مَا يجْرِي بَين النَّاس من قَوْله لَا وَالله وبلى وَالله لَا على قصد الْيَمين سَوَاء كَانَ فِي الْمَاضِي أَو فِي الْحَال أَو فِي الْمُسْتَقْبل أما عندنَا فَلَا لَغْو فِي الْمُسْتَقْبل بل الْيَمين على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل يَمِين منعقدة وفيهَا الْكَفَّارَة إِذا حنث قصد الْيَمين أَولا وَإِنَّمَا اللَّغْو فِي الْمَاضِي وَالْحَال فَقَط

وَأما الْيَمين المنعقدة فَهُوَ أَن يحلف الانسان على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل نفيا أَو اثباتا وَذَلِكَ إِمَّا أَن يكون على فعل وَاجِب وَإِمَّا أَن يكون على ترك فعل وَاجِب وَإِمَّا أَن يكون على ترك مَنْدُوب وَإِمَّا أَن يكون على فعل مُبَاح أَو تَركه فَإِن كَانَت الْيَمين على فعل وَاجِب بِأَن قَالَ وَالله لأصلين الظّهْر الْيَوْم أَو لأصومن رَمَضَان فَإِنَّهُ يحب عَلَيْهِ الْوَفَاء بِهِ وَلَا يجوز لَهُ الِامْتِنَاع وَلَو امْتنع يَأْثَم وَيحنث وَتلْزَمهُ الْكَفَّارَة وَإِن كَانَ على ترك وَاجِب بِأَن قَالَ وَالله لَا أُصَلِّي صَلَاة الظّهْر أَولا أَصوم رَمَضَان أَو وَالله لأشربن الْخمر أَو لأزنين أَو لأقتلن فلَانا أَو لَا أكلم وَالَّذِي أَو نَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ فِي الْحَال الْكَفَّارَة بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَار كَسَائِر الْجِنَايَات ثمَّ يجب عَلَيْهِ أَن يَحْنَث نَفسه بذلك وَيكفر بِالْمَالِ لِأَن عقد هَذِه الْيَمين مَعْصِيّة فَيجب تكفيرها بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَار كَسَائِر الْجِنَايَات الَّتِي لَيْسَ لَهَا كَفَّارَة معهودة وَإِن كَانَ الْيَمين على ترك مَنْدُوب بِأَن قَالَ وَالله لَا أُصَلِّي نَافِلَة أَو لَا أَصوم تَطَوّعا أَو لَا أَعُود مَرِيضا أَو لَا أشيع جَنَازَة أَو نَحْو ذَلِك فالافضل لَهُ أَن يفعل وَيكفر عَن يَمِينه وَالْقسم الرَّابِع أَن يكون على مُبَاح فعلا أَو تركا كدخول الدَّار وَنَحْوه فَالْأَفْضَل لَهُ الْبر قَالَ الله تَعَالَى {واحفظوا أَيْمَانكُم} أَي عَن الْحِنْث وَله أَن يَحْنَث وَيكفر وَيجب بِالْحِنْثِ الْكَفَّارَة إِن شَاءَ أعتق رَقَبَة أَو كسا عشرَة مَسَاكِين كلا مِنْهُم ثوبا شَامِلًا

<<  <   >  >>