للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاستغنِ بالدينِ عن دُنيا الملوكِ كما اس ... تغنى الملوكُ بدنياهمْ عن الدينِ

وروى ابن المبارك عن خلف بن حوشبٍ قال: قال المسيحُ عليه السلامُ: كما ترك لكم الملوكُ الحكمةَ فاتركوا لهم الدنيا ".

ومن قوله:

رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ ... ويخترمُ العقلَ إِدمانهَا

يبيعُ الفتىَ نفسه في رداهُ ... وأسلمُ للنفسِ عصيانهَا

حدث أبو حنيفة بإسناد له والمازني قالا: ولي إسماعيل بن علية الصدقاتِ بالبصرة، فكتب إلى عبد الله بن المبارك يصف له ما وقع فيه، ويقول له: أحب أن تبعث إلى إخوننا من القُراءِ لنشغلهم، فكتب إليه عبد الله بن المبارك: القراء ضربانِ: قوم طلبوا هذا الأمر لله، فأولئك لا حاجةَ لهم في لقائك، وقوم طلبوا الدنيا، فأولئك أضر على الناس من الشرط، وكتب إليه:

يا جاعلَ الدين له بازيا ... يصيدُ أموالَ المساكينِ

احتلتَ للدنيا ولذاتها ... بحيلةٍ تذهبُ بالدينِ

وصرتَ مجنوناً بها بعدما ... كُنتَ دواءً للمجانين

أينَ رواياتك فيما مضى ... عنِ ابن عونٍ وابن سيرينِ

أينَ أحاديثك والقولُ في ... لزومِ أبواب السلاطينِ

تقولُ أُكرِهْتُ وماذا كَذا ... زَلّ حِمارُ العلْم في الطِّين

قال رجل لعبد الله بن المبارك: أَوْصِنيِ فقال: احفظْ لِسانَك، ثم أَنشده قوله:

احْفَظْ لسانَك إنَّ اللسانَ ... حَريصٌ على المَرْء في قَتْلِه

وإِنَّ اللسانَ برِيدُ الفُؤادِ ... دَلِيلُ الرجالِ عَلى عَقْلِهِ

ومن قوله:

هُمومُكَ بالعَيْشِ مَقرونَةٌ ... فما تَقْطَعُ العَيْشَ إلاَّ بِهَمّ

حَلاَوَةُ دُنْيَاكَ مَسمًومَةٌ ... فما تَأْكُلُ الشَّهْدَ إلاَّ بِسَمّ

حدثني سهل بن عليٍّ قال: حدثني يوسف بن عَدِيّ قال: حدثنا حيَّان بن موسى المروَزيّ قال: سمعت عبد الله بن المبارك ينشد:

إلى الله أَشْكو لا إلى الناسِ أَنَّني ... أَرَى صَالحَ الأَخلاقِ لا أَسْتَطيِعُها

أَرَى خَلَّةً في إِخْوَةٍ وعَشيرةٍ ... وذِي رَحِمٍ، ما كُنْتُ مّمِن يُضِيعُها

فلِوْ طَاوَعَتْني بالمكَارِمِ قُدْرَةٌ ... لَجادَ عَلَيْها بالنَّوالِ رَبِيعُها

حدثني سهل قال: حدثني محمد بن عُبيد الله بن عمرو الهَرَويّ قال: سمعت ابن المبارك يقول:

دُنْيَا تَدَاوَلها العِبَادُ ذَميمةً ... شِيبَتْ بأَكْرَهَ مِنْ نَقيع الحَنْظَلِ

وبَنَاتُ دَهْرٍ لا تَزَالُ مُلِمَّةً ... فيها فَجَائعُ مِثْل وَقْعِ الجَنْدَلِ

[هارون الرشيد]

وكنيته أبو جعفر، أخبرني أحمد بن أبي خَيْثَمة، عن أبي دِعَامَةَ، عن عطاء المُلِطّ، أَن يحيى بن خالد، أنشده الرشيد في جواريه الثلاث:

مَلَكَ الثَّلاَثُ الآنِساتُ عِنَاني ... وَحلَلْنَ مِن قلبي بكلِّ مكانِ

مَا لي تُطاوعني البريةُ كُلّها ... وأُطيعهنَّ، وهُنَّ في عِصيانيِ

ما ذاكَ إلا أَنَّ سُلطانَ الهوى ... وبه غلبن أعزُّ من سُلطاني

قال أبو بكر: ومن قوله فيهن أنشده جماعةٌ من الناس، وأنشد أيضاً دعبل:

إنَّ سِحراً وضياءً وخنثْ ... هُنَّ سحرٌ وضياءٌ وخنثْ

أخذتْ سحرُ ولا ذَنبَ لها ... ثُلُثي قلبي وترباها الثلثْ

قال أبو عبد الله: سمعت الحسن بن مخلد يقول: حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن العباس قال: حدثني العباس بن الأحنف أن هذين البيتين له قالهما ونحلهما الرشيد أخبرنا أحمد بن أبي خيثمة قال: أخبرنا الزبير عن عمه قال: أخرج الفضل بن الربيع من عند هارون الرشيد رقعةً فيها أبيات فأجيزوها، وهي:

أهدى الحبيبُ مع الجنوبِ سلامه ... فارددْ عليه من الشمالِ سلاما

واعرفْ بقلبك ما تضمنَ قلبهُ ... وتداولا بهواكما الأياما

فإذا بكيتَ له فأيقنْ أنهُ ... سيفيضُ منه للدموع سِجاما

فاحبسْ دموعك رحمةً لدموعه ... إنْ كُنتَ تحفظُ أو تحوطُ ذِماما

<<  <   >  >>