للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحدثني أحمد بن أبي خيثمة قال: أخبرنا صالح التركي مولى رشيدٍ الخادم - وكان المعتصم في حجره - قال: اشترىُ الرشيد ماردة بنت شبيبٍ - أم أبي إسحاق - فعشقها عشقاً مبرحاً، وقال فيها الشعر، وكان مما قاله فيها:

وتنالُ منكَ بحدّ مُقلتها ... ما لا ينالُ بحدِّه النصلُ

شغلتك. وهي لكلِّ ذي بصرٍ ... لاقى محاسنَ وجهها شغلُ

فلقلبها حلمٌ يباعدها ... عن ذي الهوى ولطرفها جهلُ

وإذا نظرتَ إلى محاسنها ... فلكلِّ موضعِ نظرةٍ قتلُ

أنشدني ابن أبي خيثمة، عن أبي أيوب، للرشيد في جاريةٍ له اسمها صِرف وأخبرني ابن أبي طاهر أنهما لأبي الشبل:

قُلْ لمنْ يملكُ الملو ... كَ وإنْ كانَ قدْ مُلكْ

قد شربناكِ مُدةً ... وبعثنا إليكِ بكْ

أنشدني عبد الله بن مسلم بن قتيبة للرشيد:

النفسُ تطمعُ والأسبابُ عاجزةٌ ... والنفسُ تهلكُ بين اليأسِ والطمع

[إبراهيم بن المهدي]

يكنى أبا إسحاق ويعرف بأمه شكلةَ شاعر مُحسن كثير الشعر.

سمعت أبا القاسم عُبيد الله بن سليمان يقول: لم يكن في قريش ولا يكون أشعر منه.

وكان أهل بغداد عند شغبهم على الحسن بن سهلٍ دعو له وبايعوه بالخلافة وحاربوا الحسن وأقام في أمره سنةً وأشهراً إلى أن قدم المأمون بغداد من خراسان فانفض أصحابه واستتروا.

وكان يهجو المأمون وذا الرياستين أفحش الهجاء، ويرمي المأمون بأمه وإخوته وأخواته، ومن أيسر ذلك قوله:

صدَّ عنْ توبةٍ وعن إخباتٍ ... ولها بالمجونِ والفيناتِ

ما يُبالي إذا خلا بأبي عي ... سى وسربٍ من بدَّنٍ أخوات

أن يغصَّ المظلومُ في حومةِ الجوْ ... رِ بداءٍ بين الحشَا واللَّهاةِ

فطلبه المأمون حتى ظفر به وعفا عنه، فله فيه مدائح حسان وذكر لما كان منه، من ذلك قوله:

رددتَ مالي ولم تضننْ عليَّ به ... وقبلَ ردك مالي قد حقنتَ دمي

فبؤتُ منك، وما كافأتها، بيدٍ ... هُما الحياتانِ من موتٍ ومن عُدم

لئن جحدتك معروفاً مننتَ به ... إني لفي اللؤم أحظى منك في الكرم

ومن ذلك قوله في قصيدته المشهورة وأولها:

يا خيرَ من ذملتْ يمانيةٌ بهِ ... بعد الرسولِ ليائسٍ أو طامعِ

َ وفيها يقول:

لم أدرِ أنَّ لمثلِ جُرمي غافراً ... فأقمتُ أرقبُ أيُّ حُتفٍ صارعي

واللهُ يعلمُ ما أقولُ فإنها ... جَهدُ الأليةِ منْ مُقرٍّ باخع

ما إن عصيتكَ والغواةُ تمدني ... أسبابها إلا بنيةِ طائعِ

وكان أحسنَ خلقِ الله غناءً، وله شعر رقيقٌ حسن.

وكان يغني في أشعاره. وقد هجاه بذلك دعبلٌ لما بويع له بالخلافة. واجتمع إليه الأعراب وغيرهم فقال:

يا معشرَ الأعراب لا تقنطوا ... خذوا عطاياكم ولا تسخطوا

فسوف يُعطيكمْ حُنينيةً ... " يلتذها الأمردُ والأشمطُ "

" والمعبدياتِ لقوادكمْ " ... لا تدخلُ الكيسَ ولا تربط

وهكذا يرزقُ أصحابه ... خليفةٌ مُصحفه البربطُ

وقال: أنشدني محمد بن إسحاق قال: أنشدني دعبل:

إنْ كان إبراهيمُ مُضطلعاً بها ... فلتصلحنْ من بعدهِ لِمخارقِ

ولتصلحنْ من بعدِ ذاك لزُلزُلٍ ... ولتصلحنْ من بعدهِ للمارقِ

فقال له مخارق: يا أبا عليٍّ. أنا صديقك تهجوني؟ قال: قعدتَ على طريق القافية. وحدث هارون بن مُخارق أنه قال له ذلك، فقال: ألا ترضى؟ ذكرتك مع مولاك! أخبرني المبرد قال: بلغني أنه قيل لدعبل: أنت القائلُ في المعتصم: مُلوكُ بني العباسِ في الكتب سبعةٌ فقال: لا والله، ولكن من حشا الله قبره ناراً إبراهيم بن المهدي أشاط بدمي بسبب هجائي إياه. ومن قول إبراهيم في صفة الخمر:

كأسٌ كأنَّ شُعاعها ... قبسٌ على شرفٍ مُطلِّ

ولقدْ ذعرتُ بها الظلا ... مَ فبتُّ في شمسٍ وظلِّ

أبو الهيذام

<<  <   >  >>