للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واشتد البرد سنة؛ فقال أبو العيناء: إن دام هذا كانت بيوتنا التنانير.

وقال رجل لامرأته: الحمد لله الذي رزقنا ولداً طيباً. قالت: ما رزق أحد مثلما رزقنا، فدعياه فجاء، فقال له الأبك يا بني، من حفر البحر؟ قال: موسى بن عمران. قال: من بلطه؟ قال: محمد بن الحجاج. فشقت المرأة جيبها ونشرت شعرها وأقبلت تبكي. فقال أبوه: ما لك؟ فقالت: ما يعيش ابني مع هذا الذكاء.

[ابن المعذل والمخنث]

رأى عبد الصمد بن المعذل مخنثاً ليلة أربعة عشر من شهر رمضان، وهو مضطجع على ظهره يخاطب القمر ويقول: لا أماتني الله منك بحسرة، أو تقع في المحاق، فما كانت ليلة سبعة وعشرين رأى عبد الصمد الهلال، فقال:

يا قمراً قد صار مثل الهلال ... من بعد ما صيّرني كالخلال

الحمد لله الذي لم أمت ... حتّى أرانيك بهذا السّلال

[الصوم في الربيع]

وقال أبو عون الكاتب:

جاءنا الصوم في الربيع فهلاّ ... اختار ربعاً من سائر الأرباع

وتولّى شعبان إلا بقايا ... كالعقابيل من دم المرتاع

فكأنّ الربيع في الصوم عقدٌ ... فوق نحر غطّاه فضل قناع

[شعبان ورمضان]

وقال البحتري:

لاحت تباشير الخريف وأعرضت ... قطع الغمام وشارفت أن تهطلا

فتروّ من شعبان إن وراءه ... شهراً يمانعنا الرحيق السلسلا

وقال:

ومّما دهى الفتيان أنهم أتوا ... بآخر شعبان على أول الورد

[يوم الشك]

وكتب كشاجم إلى بعض إخوانه في يوم شك:

هو يوم شكٍّ يا عل ... يّ وأمره مذ كان يحذر

والجوّ حلّته ممسّ ... كةٌ ومطرفه معنبر

والماء فضيّ القمي ... ص وطيلسان الأرض أخضر

نبتٌ يصعّد نوره ... في الأرض قطر ندىً تحدّر

ولنا فضيلاتٌ تكو ... ن ليومنا قوتاً مقدّر

ومدامةٌ صفراء أد ... رك عمرها كسرى وقيصر

فانهض بنا لنحتّ من ... كاساتنا ما كان أكبر

أو لا فإنّك جاهلٌ ... إن قلت إنّك سوف تعذر

[تشبيب بامرأة رعناء]

كانت لرجل من العرب امرأة رعناء؛ فدخل عليها يوماً وهي مغضبة، فقالت: ما لك لا تشبب بي كما يشبب الرجال بنسائهن؟ فقال: إني أفعل! وأنشدها:

تمّت عبيدة إلاّ في ملاحتها ... والحسن منها بحيث الشمس والقمر

ما خالف الظبي منها حين تبصرها ... إلا سوالفها والجيد والنظر

قل للذي عابها من حاسدٍ حنقٍ ... أقصر فرأس الذي قد عيب والحجر

فضحكت ورضيت عنه.

[مما يشك هل هو مدح أو هجاء]

ومما يشكل هل هو مدح أو هجاء، أن أبا الينبغي دفع إلى خياط أعور اسمه زيد طيلساناً يقوره له، فلما جاءه ليأخذه دفعه إليه، وقال له: قد خطت لك شيئاً لا تدري أهو طيلسان أو هو دواج. فقال: وأنا أقول فيك بيتاً لا تدري أو هو مدح أو هجاء. وأنشده:

خاط لي زيد قباء ... ليت عينيه سواء

يريد بسواء: يكونان صحيحتين أو ذاهبتين.

ومن هنا اهتدى أبو الطيب المتنبي إلى قوله:

فيابن كروّسٍ يا نصف أعمى ... وإن تفخر فيا نصف البصير

تعادينا لأنّا غير لكنٍ ... وتبغضنا لأنّا غير عور

وكان أبو الينبغي ضعيف الشعر، قلما يصح له الوزن، إلا أنه كان ظريفاً طيباً. ودخل عليه وقد حبس، فقيل له: ما كان خبرك؟ قال أبو الينبغي: قلت ما لا ينبغي ففعل بي ما ينبغي.

ومما يسأل عنه أصحاب المعاني هل هو مدح أو هجاء:

تكامل فيه البخل والجود فاعتلى ... بفضلهما، والبخل بالمرء يزري

وهذا يمدحه؛ يريد أن يجود بماله ويبخل بعرضه.

وقد قال حماد عجرد يمدح محمد بن أبي العباس:

حليم جهولٌ فأمّا التي ... يقال له عندها يجهل

فعند الوغى واشتجار القنا ... إذا الحرب أشعلها مشعل

جوادٌ بخيل فأمّا الذي ... على كل حال به يبخل

فدين وعرض، ودين الكر ... يم ذي الرأي والعرض لا يبذل

<<  <   >  >>