للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثل الحصاة التي يرمى بها أبداً ... إلى السماء فترقى ثم تنعكس

وقال أبو فراس في رسول ملك الروم إذ جاء يطلب الهدنة، فأمر سيف الدولة بالركوب بالسلاح، فركب من داره ألف غلام مملوك بألف جوشن مذهب على ألف فرس عتيق بألف تجفاف، وركب الناس والقواد على تبعيتهم وسلاحهم وراياتهم، حتى طبق الجيش جبل جوشن وما حوله. فقلت:

علونا جوشناً بأشد منه ... وأثبت عند مشتجر الرماح

بجيش جاش بالفرسان حتّى ... ظننت البرّ بحراً من سلاح

فألسنةٌ من العذبات حمر ... تخاطبنا بأفواه الرياح

وأروع جسمه ليلٌ بهيمٌ ... وغرّته عمودٌ من صباح

صفوحٌ عند قدرته كريمٌ ... قليل الصّفح ما بين الصفاح

كأن ثباته للقلب قلبٌ ... وهيبته جناحٌ للجناح

[طرف من أخبار المهلبي]

وعلى ذكر المهلبي أذكر طرفاً من ظريف أخباره، وشريف آثاره، وإنما أسلسل أخبار أمثاله من أشراف العصر، وأفراد الدهر، تعمداً للذة الجدة، ورونق الحداثة؛ إذا كان ما لم يقرع الآذان، أدعى إلى الاستحسان، مما تكرر حتى تكدر.

والمهلبي هو أبو محمد الحسن بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة، وكان المطيع لله الفضل بن جعفر المقتدر، لما ولي الخلافة بعد المستكفي، قام بجميع أموره معز الدولة أحمد بن بويه الديلمي، وصحبه أجمل صحبة من أول ولايته إلى سنة موته وهي سنة ست وخمسين وثلاثمائة، وعقد الديلمي أمر وزارته للمهلبي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وكان المهلبي من سروات الناس وأدبائهم وأجوادهم وأعزائهم، وفيه يقول أبو إسحاق الصابىء:

نعم الله كالوحوش وما تأ ... لف إلاّ أخايراً نسّاكا

نفّرتها أيام قومٍ وصيّ ... رت لها البرّ والتّقى أشراكا

وفيه يقول:

قل للوزير أبي محمد الذي ... قد أعجزت كلّ الورى أوصافه

لك في المجالس منطقٌ يشفي الجوى ... ويسوغ في أذن الأديب سلافه

وكأنّ لفظك لؤلؤ متنخّل ... وكأنما آذاننا أصدافه

وفيه يقول أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن نباتة السعدي:

أنا عبد من لو قال للشمس اغربي ... غربت وقد طلعت على الأشهاد

المستقل من الوزارة رتبةً ... إشراقها فوق الخلافة بادي

عقّ الكماة لخوفه هيجاءهم ... وهم لطاعته من الأولاد

وتقنعوا بالنزر من أيامهم ... حتى ظنناهم من الزهاد

ومن التراب عجاجهم وعجاجه ... ممّا يحطّم من قناً وجياد

القائد الخيل العتاق كأنها ... أسد مخالبها صدور صعاد

كذب المحدّث بالشجاعة والندى ... عن خندف وربيعة وإياد

لو أبصرت عيناه آل مهلب ... والخيل راوية النحور صوادي

يخرجن من رهج العجاج كأنما ... أسيافهم خرجت من الأغماد

أوما رأيت جنابهم متدفّقاً ... متوسعاً لتضايق الرّوّاد

ووجوههم للبذل من إشراقها ... قد قنّعت شمس الضحى بسواد

لرأيت أو كادت جفونك أن ترى ... لجج البحار وآنف الأطواد

وعلمت أنهم على رغم العدى ... ذهبوا بكل ندىً وكلّ جلاد

يا من نصغّره إذا قلنا له ... ملك الملوك وماجد الأمجاد

وذباب سيفك إنه قسم الوغى ... والموت في ثوب من الفرصاد

لأطرزنّ بك الزمان مدائحاً ... تختال بين الشدو والإنشاد

تدع المسامع والقلوب لحسنها ... عند الرواة تشدّ بالأصفاد

وقال فيه:

ألكني إلى آل المهلب إنهم ... لأرفع من زهر النجوم وأثقب

إذا سلبوا الأموال من شنّ غارة ... أغار عليها المجتدون ليسلبوا

فلا زالت الأملاك تطلب رفدهم ... فتدنى وتعطى فوق ما تتطّلب

<<  <   >  >>