للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم تلقى أحمد وبنيه بما أعد لهم من الكرامة والحباء؛ فكان من صنوف ذلك دنانير ودراهم ضربها في كل دينار منهما ودرهم خمسة دنانير وخمسة دراهم عليها صنوف الصور في أواني الذهب والفضة، الفضة في الذهب، والذهب في الفضة، وأنواع البز من صنوف الحرير والنسيج والخز والشرب وأصناف المتاع، وأعد من الخيل والمراكب والغلمان بصنوف الملابس بقدر ما يقتضيه ما قدمنا ذكره.

ثم اخذ في إطعام الجميع؛ حتى عم سائرهم صغيرهم وكبيرهم. إلى أن وصل ذلك بأصحاب السفن، فأتى على سائرهم طعاماً وشراباً.

ولما حضر الانصراف قدم بين يدي أحمد من تلك الصواني الذهب والفضة من كل صنف صينيتين، في كل واحدة ألف دينار وألف درهم، ومن الخلع والدواب والمراكب ما يشاكل ذلك، وجعل لبختيار بن أحمد ما يشاكل ذلك، ولكل واحد من إخوته نصف ذلك؛ وعم سائر القواد والرؤساء على أقدارهم من كسوة وغيرها، كل إنسان بقدره؛ ثم أمر بنهب القصر السكر، فنهبه الحشم والغلمان والعامة حتى أتوا على آخره.

وقد حكى منصور بن عيسى بن سوادة الكاتب، وكان يلي دواة العباس وكان خصيصى به قديم الصحبة له خبيراً بأمره؛ قال: قدم سيدنا أبو الفضل مقدار ما لزمه على إصلاح المغيض، وبناء الدار، وما أنفقه في الدعوة من ماله سوى ما عضده به الكتاب والعمال والصناع، فكان مبلغه ستمائة ألف دينار، فسئل عن مقدار ما كان أعانه من قدمنا ذكره؛ فقال: هو والله أكثر من أن أحصيه! ولم يكن للعباس علم ولا ضرب في الكتابة بسهم، ولكن كانت له دراية بالأعمال، وتصرف في أمور السلطان؛ وكانت له همة عالية. ويقال: إن جده فاخراً كان إسكافاً.

[زوج العباس بنت المهلبي]

وكان العباس تزوج زينة بنت المهلبي، وكانت قد بلغت بها الحال إلى أن اتخذت الجواري الأتراك حجاباً في زي الرجال على ما جرى به رسم السلطان، وكان لها كتاب من النساء؛ مثل سلمى النوبختية، وعائشة بنت نصر القسوري حاجب المقتدر، وغيرهما من القهارمة؛ ومن يتصرف في الأعمال تصرف الرجال، وكان لها كرم وجود في الأموال.

فلما قبض على زوجها أبي الفضل بعد وزارته الثانية لبختيار بن أحمد، وقد صارت الوزارة لمحمد بن بقية اختفت زينة بنت الحسن وسائر أسبابها؛ فجعلت عليها العيون في كل مكان، واستقصى على أبي الفضل زوجها؛ وسلم إلى محمد بن عمر بن يحيى بعد طاهر العلوي، فخرج به من بغداد إلى الكوفة؛ فأقام عنده مدةً يسيرة ثم مات، ودفن هناك في النجف بجوار قبر علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

ولم يزل بختيار يطلب زينة وأسبابها، فعثر على أكثر أسبابها فلم يجد لها موضعاً؛ وكان سبب اختفائها منه أنه راسلها في حين القبض على أبي الفضل، وأعلمها أنه يسومه الترك ليتزوج بها؛ فردت أقبح رد، وأنكرت ذلك؛ فكان ذلك سبب اختفائها، وكان لها من الذخائر والودائع في أيدي جماعة مما كان يغني كثيراً من الناس، فلما بلغ بها الأمر طمع كل واحد فيما في يده والغدر به.

ولما كان بعد اليأس من وجودها، ظهر بظاهر الخلد بقرب محلة تعرف بالدسترقين فرد محمل مغطى، فيه امرأة في أخلاق وعند رأسها رقعة مكتوب فيها زينة بنت الحسن بن محمد المهلبي الوزير؛ فاشتهر ذلك عند الخاصة والعامة، ووافى القاضي أبو تمام الحسن بن محمد الهاشمي المعروف بالزينبي، فاحتملها لداره وتولى من أمرها ما يجب لمثلها، ودفنها في مقابر قريش؛ وقد كانت أختاها تحت ولديه أبي الحسن وأبي القاسم.

[الحب والطعام]

وكان أبو الحارث حسين يظهر لجارية من المحبة أمراً عظيماً فدعته وأخرت الطعام إلى أن ضاق. فقال: يا سيدتي؛ ما لي لا أسمع للغداء ذكراً. فقالت: يا سبحان الله! أما يكفيك النظر إلي وما ترغبه فيّ من أن تقول هذا؟ فقال: يا سيدتي؛ لو جلس جميل وبثينة من بكرة إلى هذا الوقت لا يأكلان طعاماً لبصق كل واحد منهما في وجه صاحبه.

[شركة]

أراد قوم من البصرة الجمع؛ فقال أحدهم: علي الطعام. وقال أحدهم: علي الشراب. وقالوا: ما عليك أنت يا أبا إسحاق؟ فقال: لعنة الله علي إذا لم آكل وأشرب معكم؛ فضحكوا منه ومضوا به.

[ولكن اللجام لي]

قال أبو عبيدة: أجريت الخيل في الحلبة؛ فجاء فرس من الخيل سابقاً، فجعل رجل من النظارة يكثر الفرح ويكبر ويصفق. فقال له رجل إلى جانبه: يا فتى؛ الفرس لك؟ قال: لا! ولكن اللجام لي!.

طفيلي في عرس

<<  <   >  >>