للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دخل طفيلي عرساً فلم يقدر على الدخول، فأخذ قرطاساً وأدرجه ولم يكتب فيه شيئاً، وسأل عن العروس، هل له قرابة غائب؟ فقيل: أخوه. فكتب عنوان الكتاب من فلان بن فلان إلى أخيه، وجاء فدق الباب. وقال: معي كتاب من أخي العروس، فخرج العروس مبادراً فأدخله وأحضر له الطعام؛ فلما قرأ العنوان قال: سبحان الله! تراه نسي اسمي إذ لم يكتبه على الكتاب؟ فقال الطفيلي: وأعجب من هذا أنه لم يكتب داخله شيئاً من العجلة، فعلم مراده وأدخله.

وأنشد بعضهم لأبي محمد بن وكيع:

بينا أنزّل أمري أن يجي فرجٌ ... مقدّماً فيه بين السّوق والليت

إذا بصرت بباب الدار مستلماً ... فملت مستمعاً أُصغي إلى الصوت

فقلت من جا بباب الدار يقرعه ... نادى أنا فرجٌ زن لي كرى بيتي

[عتاب طفيلي على التطفيل ورده]

عوتب طفيلي على التطفيل؛ فقال: والله ما بنيت المنازل إلا لتدخل، ولا نصبت الموائد إلا لتوكل، وإني لأجمع في التطفيل خلالاً، أدخل مجالساً، وأقعد مستأنساً، وأنبسط وإن كان رب الدار عابساً، ولا أتكلف مغرماً، ولا أنفق درهماً، ولا أتعب خادماً.

[وصية طفيلي لأصحابه]

قال ابن دراج الطفيلي لأصحابه: لا يهولنكم غلق الأبواب، ولا شدة الحجاب، ولا عنف البواب، وتحذير العقاب، ومبارزة الألقاب؛ فإن ذلك صائر بكم إلى محمود النوال، ومغن لكم عن ذل السؤال، واحتملوا الوكزة الموهنة، واللطمة المزمنة، في جنب الظفر بالبغية، والدرك للأمنية، والزموا الطوزجة للمعاشرين، والخفة بالواردين والصادرين. والتملق للملهين والمطربين، والبشاشة بالخدم والموكلين؛ فإذا وصلتم إلى مرادكم فكلوا محتكرين؛ وادخروا لغدكم مجتهدين؛ فإنك أحق بالطعام ممن دعي إليه، وأولى ممن صنع له؛ فكونوا لوقته حافظين، وفي طلبه متمسكين، واذكروا قول أبي نواس:

ليخمس مال الله من كلّ فاجرٍ ... وذي بطنةٍ للطيبات أكول

[تقاصر لينالك الضرب]

جلد بعض الشرط رجلاً وكان الجلاد قصيراً دميماً والمجلود طويلاً؛ فقال له الجلاد: تقاصر لينالك الضرب. فقال: ويلك! إلى أكل الفالوذج تدعوني؟ والله لوددت أن تكون أنت أقصر من يأجوج ومأجوج، وأنا أطول من عوج.

[أمنية المبغض]

دخل أعرابي من ثقيف على خالد بن عبد الله القسري، فشكا إليه قلة المطر، وجفوف الشجر، وكثرة العيال، وعدم المال. وكان خالد مبغضاً لثقيف، فقال: أما ما ذكرته من قلة المطر فوددت أن الله جل اسمه ضرب بينكم وبين السماء صفائح من حديد؛ وجعل مسيلها مما يلي البحر، فلا تصل إليكم قطرة من مائها. وأما ما ذكرت من يبس الشجر فوددت أن الله أحرق ما لديكم من ذلك. وأما ما ذكرت من قلة المال وكثرة العيال فوددت أن الله قطع يديك ورجليك ولم يجعل لأهلك كاسباً غيرك.

فقال: أيها الأمير؛ أصلحك الله، وطئت أرضك، وأملت رفدك، فلا تصرفني بحسرة الحرمان، واجعل قراي منك بقدر أملي فيك، لا بقدر نسبي عندك. قال: يا غلام، أعطه بدرة، ثم زاده أخرى.

[النكث في البيع خير من خيانة الشريك]

وجلس مالك بن طوق في قصره في شباك مطل على رحبته، ومعه جلساؤه، إذ أقبل أعرابي تخب به ناقته؛ فقال: إياي أراد، ونحو قصد. ولعل معه أدباً ينتفع به، ثم أمر بإدخاله؛ فلما مثل بين يديه قال: ما أقدمك يا أعرابي؟ قال: سيب الأمير ورجاء نائله. قال: هل قدمت أمام رغبتك وسيلة؟ قال: نعم؟ أربعة أبيات قلتها بظهر البرية، فلما رأيت ما بباب الأمير من الهيبة والجلال استحقرتها واستصغرتها. قال: فهل لك أن تنشدنا أبياتك على أن نجيزك عليها ألف درهم، فإن كنت ممن أحسن ربحنا عليك، وإلا فقد نلت مرادك، وربحت علينا. قال: رضيت، وأنشده:

وما زلت أخشى الدهر حتى تعلّقت ... يداي بمن لا يتّقي الدهر صاحبه

فلما رآني الدهر تحت جناحه ... رأى مرتقىً صعباً منيعاً مطالبه

رآني بحيث النّجم في رأس باذخٍ ... تظلّ الورى أكنافه وجوانبه

فتىً كسماء الغيث والناس حوله ... إذا قحطوا جادت عليهم سحائبه

<<  <   >  >>