للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: قد والله ظفرنا يا أعرابي، ورزقنا الفلج عليك، والله ما قيمتها إلا عشرة آلاف درهم. قال: فإن لي صاحباً شاركته فيها، وما أراه يرضي ببيعي. قال: أتراك حدثتك نفسك بالنكث؟ قال: نعم؟ وجدت النكث في البيع خيراً من خيانة الشريك. فأمر له بعشرة آلاف دينار.

[المتوكل وقطاطة]

وركب المتوكل زلالاً ومعه قطاطة وعبادة المخنثان، وكان قطاطة طويلاً جداً؛ فجعل يغني إلى أن هبت ريح شديدة وثارت دجلة، فأمسك عن الغناء. فقال له المتوكل: ما لك؟ قال: يا سيدي؛ أفزعني ما أرى؛ فرفع عبادة يده وصفعه، وقال: يابن الفاعلة! تتوهم أن في دجلة ماءً يطولك.

[لبيد بن ربيعة في مجلس النعمان]

لما أراد لبيد بن ربيعة أهله على إحضاره مجلس النعمان، ومقاولة ابن زياد العبسي على ما خاطب به أهله بحضرة النعمان، أراد أهله أن يختبروه لأنهم استصغروه؛ فنظر عمه إلى بقلة لاصقة بالأرض وهي جدير الأرض فقال: صف لنا هذه البقلة حتى أسمع. فقال لبيد: إن هذه البقلة رذلة دقيقة الخيطان، ذليلة الأغصان، لا تذكي ناراً، ولا تستر جاراً، ولا تؤهل داراً، عودها ضئيل، وخيرها قليل، وبلده شاسع، ونبتها خاضع، وآكلها جائع، والمقيم عليها قانع، أقصر البقول فرعاً، وأخبثها مرعىً، وأصعبها قلعاً، فحرباً لجارها وجدعاً، فالقوا إلي أخا عبس، أرجعه عنكم بتعس، وأتركه من أمره بلبس. فقال له: سر! فلما قدم على النعمان وعنده الربيع أنشده:

نحن بنو أمّ البنين الأربعه ... الضاربون الهام تحت الخيضعه

والمطعمون الجفنة المدعدعه

[من طرف بشار]

وكان بشار جالساً على باب داره، فمر به ابن أخيه مع أصحاب له. فقال: أصحاب ابن أخي هؤلاء أتراك. قيل: من أين علمت؟ قال: لأني لا أسمع لهم حس نعال.

وقيل لبشار: إن فلاناً يزعم أنه لا يبالي بلقاء واحد أو ألف. فقال: صدق؛ لأنه يفر من الواحد كما يفر من الألف.

[يطحن مكان الحمار]

حكى المدائني، قال: كان في المدينة امرأة جميلة عفيفة ذات زوج، وكان فتىً من أهل المدينة يتبعها كلما خرجت ويعرض لها؛ فلما أذاها شكته إلى زوجها. فقال لها: فما عندك في أمره حيلة! قالت: قد فكرت في شيء إن ساعدتني عليه. قال: فأنا أساعدك. فبعثت جاريتها إليه تقول: إن الذي بقلبي منك أكثر مما بقلبك مني، ولكني امرأة مستورة ولا أعرف الفساد؛ فكنت أمتنع عليك وفي قلبي النار. فلما بلغته الرسالة استطار فرحاً، وقال للجارية: ما أدري كيف أؤدي شكرك إذ جرى هذا الأمر على يدك، فبلغيها السلام وقولي لها: إني صائر إليك غداً، ووهب للجارية ديناراً. وطالت ليلته حتى أصبح فوجه إليها بجدي وفاكهة. فقالت الجارية: قد وجب علي شكرك لإجابتك إياي في حاجة مولاتي، وأنال أشير عليك بحيلة بها يتم أمرك. قال: وما هي؟ قالت: سيدتي فيها حشمة وخجل وانقباض عن الرجال، فإذا جلست معك فلا تتعرض لها بكلام ولا بغيره، حتى تشرب معك أقداحاً. قال: نعم! وصعدت الجارية فعاونت سيدتها على إصلاح الجدي والطعام؛ فلما أحكمتاه نزلت الجارية وبسطت لسيدتها مصلى وجاءت فسلمت وقعدت، وجاءت الجارية بالطشت والماء فغسلت أيديهما، ووضعت المائدة بينهما، وجاءت بالجدي والطعام.

فحين أخذ المخذول اللقمة فوضعها في فمه جاء الزوج فقرع الباب؛ فوضعت المرأة يدها على رأسها وقالت: افتضحت وهلكت. فقال: دعي الجزع واحتالي في موضع أكمن فيه إلى خروجه. قالت: ما أعرف موضعاً يخفى عليه إلا أن تحل الحمار الذي في الدهليز وتقوم في مكانه. فقال: افعلي! فجاءت الجارية إلى حمار يطحن في الدهليز مشدود العينين فنحته وربطت المغرور مكانه. وقالت: اطحن مكان الحمار ولا تمسك فيفطن بك؛ فإني أرجو أن يخرج سريعاً وترجع إلى سرورك، ثم فتحت الباب ودخل الزوج، فقالت له: خرجت على أن تقيم أياماً! فما الذي جاء بك الساعة؟ قالت: كنت عزمت على ذلك فمر بي إخوان فعرضت عليهم المقام في الضيعة. فقالوا: لا يمكننا اليوم، ولكننا إن شاء الله تعالى نصير إليك غداً؛ فأردت أن يكون مجيئهم إلى البيت أسهل علي؛ فبادرت إليك لتصلحي ما يحتاجون إليه وخاصة الدقيق، فينبغي ألا يفتر الحمار في الدقيق.

<<  <   >  >>