للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأتى رجل بقرد يبيعه؛ فجاء عبادي فنظر إليه، فقال صاحبه له وقد دنا من رجله: احذر لئلا يرمحك، فدنا من يده؛ فقال: احذر لئلا يخبطك، فدنا من فمه؛ فقال: احذر لئلا يعضك؛ فتباعد العبدي ناحية فقيل له: لم تباعدت؟ فقال: أحذر لئلا يرميني بحجر.

[يشغله عن الأكل]

قعد عبادي وأعرابي يأكلان فقال العبادي للأعرابي: كيف مات أبوك ليشغله بالكلام عن الأكل؟ فقال: أصابه كذا وكذا، فأخذ في حديث طويل والعبادي يأكل، ثم قال الأعرابي: وأنت كيف مات أبوك ليشغله بالكلام عن الأكل؟ فقال: اتخم، فمات.

ودخل عبادي الماء إلى الكعب فصاح: الغريق! الغريق! قيل له: ما دعاك إلى هذا؟ فقال: أردت أن آخذ بالحزم.

يبيع رمحاً برغيف

ومر عبادي برجل ومع الرجل رمح. فقال أتبيعه؟ قال: نعم! قال: فبكم تريده؟ قال: برغيف. قال: سبحان الله تطلب هذا برغيف! قال: أخزى الله شرهما في الجوف.

[دابة أبي العيناء]

حمل عبيد الله بن يحيى بن خاقان أبا العيناء على دابة، فأخذها منه ابنه، وقال: أبعث إليك بخير منها، فتأخر عنه ذلك، فلقيه. فقال: ما خبرك؟ فقال؛ بخير، يا من أبوه يحمل وهو يرجل. فقال: أنا أنفذ إليك بغلاً فارهاً بغير تأخر؛ فتأخر عنه ثم لقيه. فقال: كيف حالك يا أبا عبد الله؟ قال: راجل أصلحك الله! فضحك وأنفذ إليه بغلاً زعم أبو العيناء أنه غير فاره، فكتب إلى أبيه: أعلم الوزير أعزه الله! أن أبا علي محمداً أراد أن يبرني فعقني، وأن يركبني فأرجلني، أمر لي بدابة تقف للنثرة، وتعثر بالبعرة، كالقضيب اليابس عجفاً، والعاشق المجهود دنفاً؛ قد أذكرت الرواة عروة العذري، والمجنون العامري، مساعد أعلاه لأسفله، حباقه مقرون بسعاله؛ فلو أمسك لترجيت، ولو أفرد لتعزيت، ولكنه يجمعهما علي في الطريق المعمور، والمجلس المشهور، كأنه خطيب مرشد، أو شاعر منشد، تضحك من فعله النسوان، ويتناغى من أجله الصبيان، فمن صائح يصيح داوه بالطباشير، وقائل يقول نقوا له الشعير، قد حفظ الأشعار، وروى الأخبار، ولحق العلماء بالأمصار؛ فلو أعين بنطق، لروى بحق وصدق، عن جابر الجعفي، وعامر الشعبي؛ وإنما أتيت من كاتبه الأعور، الذي إن اختار لنفسه أطاب وأكثر، وإن اختار لغيره أخبث وأنزر، فإن رأى الوزير أن يبدلني عنه، ويريحني منه، بمركوب يضحكني كما ضحك مني، يمحو بحسنه وفراهته، ما سطره العيب بقبحه ودمامته؛ ولست أذكر أمر سرجه ولجامه؛ لأن الوزير أكرم من أن يسلب ما يهديه، أو ينقض ما يمضيه.

فوجه إليه عبيد الله ببرذون من براذينه بسرجه ولجامه؛ ثم اجتمع مع عبيد الله عند ابنه. فقال عبيد الله: شكوت دابة محمد وقد أخبرني أنه يشتريه الآن منك بمائة دينار، وما كان هذا ثمنه لا يشتكى! فقال: أعز الله الوزير لو لم أكذب مستزيداً، لم أنصرف مستفيداً، وإني وإياه لكما قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين. فضحك عبيد الله؛ وقال: يا أبا عبد الله؛ حجتك الداحضة بملاحتك وظرفك أبلغ من حجة غيرك البالغة.

[وصف حمل مهدى]

ويشبه هذا رسالة لأبي الخطاب الصابىء، أجاب بها عن أبي العباس بن سابور إلى الحسين بن صبرة، عن رقعة وصلت منه في صفة حمل أهداه، كتبتها على اختصار: وأبو الخطاب هذا هو عم أبي إسحاق إبراهيم بن هلال الصابىء:

<<  <   >  >>