للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الأصمعي: حدثني إبراهيم بن القعقاع قال: رأيت أشعب بسوق المدينة ومعه قطيفة يبيعها، وهو يقول: من يشتري مني الوصيدة؟ فأتاه رجل يساومه. فقال: أبرأ إليك من عيب فيها. قال: وما هو؟ قال: أخاف أن تخرق إن لبستها. فضحك، واشتريت بثمن جديدة.

[من طرف الأكلة]

دعا رجل ابن أحمد، فلما صار إلى منزله قال الرجل لغلامه: امض فاشتر لي لحماً بدانقين، وبدانقين خبزاً؛ فإنه ليس من صديقنا ابن أحمد حشمة. فقال ابن أحمد: يابن أم ولا كل هذا الاستئناس بمرة.

وقال رجل لصديق له: صر إلي نأكل خبزاً وملحاً؛ فقام معه وهو يظن هذا الكلام على مجاز ما يقول الناس، فقدم إليه خبزاً وملحاً. ووقف سائل بالباب، فقال له: بورك فيك، فألح السائل بالمسألة. فقال له: والله لئن قمت إليك لأوجعنك ضرباً. فقال له الضيف: اذهب فوالله لو علمت من صدق إيعاده ما علمت أنا من صدق وعده لم تقف ساعة.

اشترى مزيد رأسين فوضعهما بين يدي امرأته. وقال: اقعدي نأكل، فأخذت رأسهاً فوضعته خلفها. وقال: هذا لأمي، فأخذ مزيد الرأس الآخر ووضعه خلفه، وقال: هذا لأبي. قالت: فماذا نأكل؟ قال: ضعي رأس أمك وأضع رأس أبي.

دخل أشعب على بعض الولاة وكان بخيلاً، وذلك في أول ليلة من شهر رمضان فأفطر عنده، فقدم جدي، فأمعن فيه أشعب وضاق الوالي. فقال: يا أشعب، إن أهل السجن سألوني أن أوجه إليهم من يصلي بهم في هذا الشهر؛ فامض وصل بهم واغنم ثوابهم. فقال: أيها الأمير؛ أوخلة أخرى؟ قال: وما هي؟ قال: أحلف بالطلاق والعتاق ألا آكل جدياً ما عشت أبداً. فضحك منه وأعفاه.

وهذا كما ذكروا أن بعض الملوك أتته سلل خبيص فظنها فاكهة، فبعث إلى مساكين المسجد فحضروا، ثم فتح السلل فوجد فيها خبيصاً، فندم وبقي متحيراً، ثم أمر بهم إلى السجن. فقالوا: ما ذنبنا؟ فقال: بلغني أنكم تنامون في المسجد ثم تقام الصلاة فتصلون على غير وضوء. فقالوا: خل سبيلنا، فوالله لا أكلنا خبيصاً أبداً، فضحك وعلم أنهم علموا بأمره، فأمر لهم بدراهم وخلى سبيلهم.

[قرشي والحمد لله]

قال رجل لآخر: ممن تكون؟ قال: قرشي والحمد لله! قال: بأبي أنت! التحميد ها هنا ريبة.

[من ظريف ما قيل في الأدعياء]

ومن ظريف ما قيل في الأدعياء قول مخلد بن بكار الموصلي في أهل بلده:

هم قعدوا فابتغوا لهم نسباً ... يجوز بعد العشاء في العرب

حتى إذا ما الصباح لاح لهم ... ميّز ستوقهم من الذهب

والناس قد أصبحوا صيارفةً ... أعرف شيء ببهرج النّسب

وقال في أبي تمام الطائي:

أنت عندي عربيّ ال ... أصل ما فيك كلام

شعر ساقيك وفخذي ... ك خزامى وثمام

وضلوع السلو من صد ... رك نبعٌ وبشام

وقذى عينيك صمغٌ ... ونواصيك ثغام

وظباءٌ خاضباتٌ ... ويرابيع عظام

أنا ما ذنبي إذا ك ... ذّبني فيك الأنام

وبدت منك سجايا ... نبطيّاتٌ لئام

وقفا يخلف ما إن ... عرفت فيه الكرام

كذبوا ما أنت إلاّ ... عربيٌّ ما ترام

بيته في وسط سلمى ... وحواليه سلام

عربيٌّ عربيٌّ ... عربيٌّ والسّلام

وقال في محمد بن البعيث:

لمحمدٍ بيتٌ بناه بسيفه ... أطناب حجرته النّجوم الكنّس

جعل السبيل إلى العلاء محمدٌ ... بيضاً تسيل على ظباها الأنفس

إيماضها هندية ونجومها ... خزرية منها المنّية تفرس

تلقى الأمان على حياض محمد ... ثولاء مخرفةٌ وذئبٌ أطلس

لا ذي تخاف ولا لذلك جرأةٌ ... تهدى الرّعيّة ما استقام الريّس

قد شذّب الأعداء عن عرصاته ... سيفٌ يمجّ دماً وعزٌّ أقعس

وإذا تناضلت الملوك بخرها ... فسهام فخرك كلهن مقرطس

وإذا صرفت الطرف عن ذي نخوةٍ ... فالموت في قسماته يتفرّس

متملق القيباح يمنع هارباً ... في البعد منك ولا الثناء الأشرس

<<  <   >  >>