للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وببدرةٍ حملت إليّ وبغلةٍ ... دهماء ناجيةٍ يصلّ لجامها

فدعوت ربي أن يثيبك جنّةً ... عوضاً يصيبك بردها وسلامها

فقال: عندي كل شيء إلا البغلة فإنها عندنا شهباء. فقال: امرأتي طالق إن كنت رأيتها إلا شهباء، ولكني غلطت.

ولابن عدل ظريفة مع بشر بن مروان: وذلك أنه كان متصلاً به، منقطعاً إليه، فأغفله، فغاب عنه أياماً ثم أتاه فقال: أين غبت، فقد طلبتك فلم أقدر عليك؟ قال: خرجت أيها الأمير إلى البادية أطلب التزوج بابنة عم لي أيم فقالت: لي أموال متفرقة على الناس، وأنا امرأة لا قيم لي، فاقتضها لي وأنا أتزوجك؛ فاقتضيت لها جميع أموالها، فلما فرغت كتبت إلي:

سيخطئك الذي أمّلت منّي ... بقطع حبال وصلك من حبالي

كما أخطاك معروف ابن بشر ... وكنت تعدّ ذلك رأس مال

فضحك وقال: ما أحسن ما تلطفت.

ودخل أبو دلامة يوماً على المنصور وبين أصبعيه خرقة، فقال له: ما هذا يا أبا دلامة؟ فقال: ولدت لي الباحة صبية وقد قلت فيها:

فما ولدتك مريم أُمّ عسى ... ولم يكفلك لقمان الحكيم

ولكن قد ولدت لأمّ سوءٍ ... يقوم بأمرها بعلٌ لئيم

فضحك المنصور وقال: ما تريد؟ قال: ملء هذه الخرقة أستعين بها على تربيتها. فقال المنصور: أملأوها دراهم، ففتحوها فإذا هي رداء رقيق كبير، فملأوه؛ فأخذ عشرة آلاف درهم.

وكان المنصور بخيلاً، وإنما كان أبو دلامة يستنزله بالملح لشدة بخله، فقد كان يتجاوز الغاية في ذلك.

[بخل المنصور]

وكان المنصور قبل أن يلي الخلافة ينزل على أزهر السمان، فلما استخلف صار إليه أزهر. فقال: ما أقدمك؟ قال: حاجة أمير المؤمنين؛ علي أربعة آلاف درهم، ولي دار متهدمة، وأريد البناء لابني محمد. فأمر له باثني عشر ألف درهم. وقال: يا أزهر؛ لا تأتنا طالب حاجة. قال: أفعل.

فلما كان بعد قليل عاد فقال: يا أزهر؛ ما جاء بك؟ قال: جئت مسلماً على أمير المؤمنين، قال: إنه ليقع في نفسي أن ما أتيت إلا لما أتيت له في المرة الأولى، وأمر له باثني عشر ألف درهم. وقال: لا تأتنا طالب حاجة ولا مسلماً. قال: نعم! ثم ما لبث أن عاد فقال: يا أزهر؛ ما جاء بك؟ قال: دعاء كنت سمعت أمير المؤمنين يدعو به فجئت مستملياً لآخذه عن أمير المؤمنين. فقال: لا تكتبه فإن غير مستجاب، لأني دعوت الله به أن يرحني منك فلم يستجب لي. ثم صرفه ولم يعطه شيئاً.

[ابن هرمة يمدح المنصور فيجيزه]

ولما دخل عليه إبراهيم بن علي بن هرمة أنشده قصيدته التي يقول فيها:

له لحظاتٌ في حفافيّ سريره ... إذا كرّها فيها عقابٌ ونائل

فأمّ الذي أمّنت آمنة الردى ... وأمّ الذي حاولت بالثكل ثاكل

فرفع الحجاب له، وأقبل عليه وأمر له بعشرة آلاف درهم. ثم قال: يا إبراهيم: لا تتلفا طمعاً في مثلها، فما كل وقت تصل إلينا، ولا يصلك منا مثلها. فقال: ألقاك بها يا أمير المؤمنين يوم العرض بختم الجهبذ. فضحك. وقال: اذكر حوائجك؟ فقال: تكتب لي إلى عامل المدينة ألا يحدني إذا أتي بي إليه وأنا سكران، فقال: هذا حد من حدود الله لا يمكن تعطيله. فقال: تحتال لي يا أمير المؤمنين، فكتب إلى عامر المدينة؛ من أتاك بابن هرمة وهو سكران فاضربه الحد، واضرب الذي يأتيك به مائة. فتحاماه الشرط. فكانوا يمرون به مطروحاً في سكك المدينة فيقولون: من يشتري ثمانين بمائة؟!

[مدحة وعطاء]

وقال المؤمل بن أميل: قدمت على المهدي وهو إذ ذاك ولي عهد أبيه، فامتدحته فأمر لي بعشرين ألف درهم، فكتب ذلك صاحب البريد إلى المنصور وهو بمدينة السلام يخبره أن الأمير أمر لشاعر بعشرين ألف درهم، فكتب إليه يعذله ويلومه، ويقول: إنما كان ينبغي لك أن تعطي الشاعر إذا أقام ببابك سنة أربعة آلاف درهم، وكتب إلى كاتبه أن يوجه إليه بالشاعر، فطلب فلم يقدر عليه، فكتب إليه أن قد توجه إلى مدينة السلام.

<<  <   >  >>