للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما تغنّت إلاّ تكشّف همٌّ ... عن فؤادٍ وأقلعت أحزان

تفضل المسمعين حسناً وطيباً ... مثل ما يفضل السماع العيان

وقال:

ما نطقت عابث ومزهرها ... إلاّ ظللنا للراح نعملها

تطلب أوتارها الهموم بأو ... تارها فما تستفيق تقتلها

وقال:

لها غناء مطرب معجب ... يفعل ما تفعله الخمره

تشوق الأُذن إلى شدوها ... تشوّق العين إلى الخضره

كأنما فرحة من زارها ... فرحة من طارت له القمره

لو أن إسحاق شدا شدوها ... لخلت من يسمع في سحره

مندرةٌ في كل ألحانها ... لا كالتي تحسن في النّدره

وقال:

لقد برعت عابث في الغنا ... وزادت فأربت على البارع

يسبّح سامعها معجباً ... وأصواتها سبحة السامع

وقال:

شدوٌ ألذّ من ابتدا ... ء العين في إغفائها

أحلى وأشهى من منى ... نفسٍ وصدق رجائها

وقال ابن الرومي في بستان جارية أم علي بنت الراسبي:

واهاً لذاك الغناء من طبق ... على جميع الأنام مقتدر

أضحت من الساكني حفائرهم ... سكنى الغوالي مداهن السرر

يا مشرباً كان لي بلا كدرٍ ... يا سمراً كان لي بلا سهر

أصبحت بالترب غير راجحة ... عنه وقد ترجحين بالبدر

وتبعه الناجم، فقال في عجاب جارية أبي مروان:

أضحى الثرى بجوارها ... عطر المسالك والمسارب

حلّت حفيرتها حلو ... ل المسك في سرر الكواعب

يا درّة كانت تضي ... ء لناظري من كلّ جانب

وهذا من قول بشار:

درّةٌ حيثما أديرت أضاءت ... ومشمٌّ من حيث ما شمّ فاحا

وجنانٌ قال الإله لها كو ... ني فكانت روحاً وروحاً وراحا

وله:

تلقى بتسبيحةٍ من حسن ما خلقت ... وتستفزّ حشا الرائي بإرعاد

كأنّما صوّرت من ماء لؤلؤة ... فكلّ جارحةٍ وجهٌ بمرصاد

والبيت الأول من هذين قد تقدم نظيره من قول الناجم.

[من ظن به خير فانكشف عن شر]

رجع ما انقطع: ممن ظن به خير فانكشف عن شر، قال يزيد بن هارون: كنت بالحيرة فرأيت شيخاً عليه طيلسان، وعلى رأسه طويلة، وله سمت حسن، فرجوت أن يكون عنده حديث فقلت: يا شيخ؛ عندك حديث؟ فقال: أما حديث فلا، ولكن عندي قديم طيب؛ فإذا هو خمار.

وسال العقيق في بعض السنين، فخرج الناس إلى الصحراء وفيهم سفيان الثوري؛ فلما كثر الناس انكفأ يريد منزله، فبصر بشيخ ضرير قد أهدف على المائة وبيده عصاً يخترق صفوف النساء، وهو يبكي بكاءً شديداً؛ فظن سفيان أن بكاءه لما فرط له معهن، فنظر إليه حتى إذا صار في آخر الصفوف جنح على محجته واستقبلهن بوجهه، وكفكف عن عبرته وأنشأ:

عليكنّ السلام فليس منّي ... لكنّ فدعنني غير السلام

تحالفت العصا لتشدّ ظهري ... وتجبر عثري عند القيام

فقال له سفيان: أما كان لك فيما مضى من عمرك عظة عن معاصي الله عز وجل؟ فقال: بأبي أنت! تمنعني من تلك الحوراء الطرف، الوافية الردف، الحسنة التبختر، الوانية التكسر، كالظبي الغرير، والمهاة عند الغدير، التي يقول في صويحباتها الشاعر:

يأخذن زينتهن أحسن ما يرى ... فإذا عطلن فهنّ خير عواطل

يرمينني لا يستترن بجنّةٍ ... إلاّ الصّبا أين مقاتلي

يلبسن أردية الشباب لأهلها ... ويجرّ باطلهنّ حبل الباطل

فمضى سفيان يستعيذ بالله منه.

ومثل قوله قول كشاجم:

يقولون تب والكاس في يد أغيد ... وصوت المثاني والمثالث عالي

فقلت لهم لو كنت عاينت توبةً ... وعاينت هذا في المنام بدا لي

[من ظريف الصفات]

وما جرى ههنا شوطاً في ظريف الصفات، يطيب مغناه ويحسن معناه. قال أشجع بن عمرو:

وماجت كموج البحر بين ثيابها ... يميل بها شطرٌ ويعدلها شطر

إذا وصفت ما فوق مجرى وشاحها ... غلائلها ردّت شهادتها الأزر

<<  <   >  >>