للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال رجل اسمه عمر لعلي بن سليمان الأخفش: علمني مسألةً من النحو؟ قال: تعلم أن اسمك لا ينصرف. فأتاه يوماً وهو على شغل. فقال: من بالباب. قال: عمر. قال: عمر اليوم ينصرف. قال: أوليس قد زعمت أنه لا ينصرف؟ قال: ذاك إذا كان معرفة وهو الآن نكرة! وقال الصولي: سكر هارون النديم عند المعتضد سكراً شديداً، ونهض الجلساء كلهم سواه فقال له الخادم الموكل بالندماء: انصرف. فقال: أمير المؤمنين أمرني بالمبيت هاهنا. فقال: يا أمير المؤمنين؛ هارون ينصرف. قال: لا ينصرف.

فلما أصبح رآه المعتضد، فقال: من هذا؟ قيل: هارون بن علي. فقال للخادم الموكل بالندماء: متى تقدم للجلساء المبيت هنا؟ فقال: أنت أعزك الله قلت: هارون لا ينصرف، قال: إنا لله! إنما أردت النحو.

قال أبو العبر: قال لي أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب: الظبي معرفة أو نكرة؟ فقلت: إن كان مشوياً على المائدة فمعرفة، وإن كان في الصحراء فهو نكرة. فقال: ما في الدنيا أعرف منك بالنحو.

أبو الحسن علي بن سليمان كتب إلى بعض إخوانه يستعير دابة ودابة لا تجيء بوزن الشعر؛ لأنه جمع بين ساكنين:

أردت الركوب إلى حاجةٍ ... فجد لي بفاعلةٍ من دببت

فأجابه الفتى وكان ظريفاً:

زيد بها وجعٌ غامز ... فكن أنت لي فاعلاً من عذرت

ومن ملح النحويين:

أفي الحقّ أن يعطى ثلاثون شاعراً ... ويحرم ما دون الرضا شاعر مثلي!!

كما سامحوا عمراً بواوٍ مزيدةٍ ... وضويق باسم الله في ألف الوصل

وقال أبو الفتح البستي:

حذفت وغيري مثبتٌ في مكانه ... كأنّي نون الجمع حين تضاف

[المتوكل وعبادة المخنث]

وكن المتوكل قد بسط من عبادة المخنث للدخول معه على كل حال، فدخل عليه وهو نائم مع سواد كان يحبها؛ فلما رآه أمرها أن تغطي وجهها. فقال: يا أمير المؤمنين؛ ومن معك؟ قال: ويلك! وبلغ فضولك إلى هذا الموضع!، ومدت الجارية رجلها فبانت سوداء. فقال: يا أمير المؤمنين؛ تنام ورجلك في الخف. فقال المتوكل: قم عليك لعنة الله! وضحك وأمر له بصلة فأخذها وانصرف.

وكان عبادة يشرب بين يديه ويترك في القدح فضلة. فقال: يا عبادة؛ ما تدري ما يقول الناس؟ قال: وما هو؟ قال: يقولنه إن شارب النبيذ إذا شرب وعبس وجهه وفضلت في القدح فضلة فإن إبليس يضرب قفاه ويقول: اشرب فضلة ما استطبت.

فمضت الأيام واصطبح المتوكل وعبادة حاضر، وشرب قدحاً كان في يديه وفضلت فضلة. فقال: يا أمير المؤمنين، جاءك الرجل.

وتجارى الجواري بحضرة المتوكل فسبقتهن جارية ممشوقة. فقال المتوكل لعبادة: اجر معها حتى ننظر من يسبق صاحبه. فقال عبادة: إن سبقتها فما لي؟ قال: هي لك، وإن سبقتك صفعتك. فجرت معه الجارية فسبقته مرة بعد أخرى، فقال: يا أمير المؤمنين؛ كيف لا تسبقني وهي تجري بمدادين وأنا أركض بخرجين؛ فضحك المتوكل ووهبها له.

وغفل عنه المتوكل مرة فكتب له رقعة يسأذنه في الحج فضحك. وقال: عبادة يحج؟ علي به، فلما دخل عليه قال له: ما خبرك؟ فقال: يا أمير المؤمنين؛ لقد تواضعت حتى ما آكل إلا الخشكار، ولا أشرب إلا نبيذ الدردي، ولا أسمع إلا غناء حواء، فأمر له بصلة.

[جحظة يصف ضيق العيش]

ألم جحظة البرمكي بهذا المعنى فقال:

إنّي رضيت من الرحيق ... بشراب تمرٍ كالعقيق

ورضيت من أكل السمي ... ذ بأكل مسودّ الدقيق

ورضيت من سعة الصحو ... ن بمنزلٍ ضنكٍ وضيق

وجعلت تغريد الحما ... مة منزلي عند الشروق

فغدوت كسرى صاحب ال ... إيوان والعيش الأنيق

وحجبت نفسي عن حجا ... ب الباخلين ذوي الطريق

القاطعين مخافة ال ... إنفاق أسباب الصّديق

[جيران يتشممون الأماني]

قال ابن أبي عتيق لامرأته: تمنيت أن يهدى إلينا مسلوخ، فنتخذ من الطعام لون كذا ولون كذا، فسمعته جارة له، فظنت أنه أمر بعمل ما سمعته، فانتظرت إلى وقت الطعام، ثم جاءت فقرعت الباب، وقالت: شممت رائحة قدوركم فجئت لتطعموني منها. فقال ابن أبي عتيق لامرأته: أنت طالق إن أقمنا في هذه الدار التي جيرانها يتشممون الأماني.

التمني والحلم أخوان

<<  <   >  >>