للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولبس مزيد جبة فقيل له: أتتمنى أن تكون لك؟ قال: نعم! وأضرب عشرين سوطاً. قيل: ولم؟ ويحك؟ قال: لا يكون شيء إلا بشيء.

قال الأصمعي: طلب الحجاج رجلاً فهرب منه، فمر بساباط فيه كلب نائم في ظله. فقال: يا ليتني مثل هذا الكلب، فما أتت ساعة حتى مر به الكلب وفي عنقه حبل، فسأل عنه فقالوا: جاء كتاب الحجاج وبه يأمر بقتل الكلاب.

وفي كتاب للهند أن ناسكاً كان له سمن وعسل في جرة؛ ففكر يوماً فقال: أبيع هذه الجرة بعشرة دارهم فأشتري خمس أعنز، فأولدهن في كل سنة مرتين، فيبلغ النتاج في سنتين مائتين، وأبتاع بكل أربع بقرة، وأزرع وينمى المال في يدي، فأتخذ المساكن والعبيد، ويولد لي ولد، فأسميه كذا وآخذه بالأدب، فإن هو عصاني ضربت بعصاي رأسه، وكانت في يده عصا فرفعها كالضارب، فأصابت الجرة، فانكسرت وتبدد السمن والعسل.

قال يزيد بن معاوية: ثلاث يخلقن العقل، وفيهن دليل على الضعف: سرعة الجواب، وطول التمني، والاستغراب في الضحك. وكان يقال: التمني والحلم أخوان. وقالوا في نقيض ذلك: الأمل رفيق مؤنس، إن لم يبلغك فقد ألهاك. وأنشدوا:

أتاني من ليلى جوابٌ كأنّما ... سقتني به ليلى على ظمأٍ بردا

منىً إن تكن حقّاً تكن أحسن المنى ... وإلاّ فقد عشنا بها زمناً رغدا

وقال أعرابي:

رفعت عن الدنيا المنى غير حبها ... فما أسأل الدنيا ولا أستزيدها

وتحت مجاري الصدر منّا مودّةٌ ... تطلّع سرّاً لا ينادى وليدها

وقيل لأعرابي: ما أمتع لذات الدنيا؟ فقال: ممازحة الحبيب، ومغالطة الرقيب، وأمان تقطع بها أيامك، وأنشد:

علّليني بموعد ... وامطلي ما حييت به

ودعيني أفوز من ... ك بنجوى تطلّبه

فعسى يعثر الزما ... ن بحظّي فينتبه

[عزة توازن بين شعر الأحوص وكثير]

ودخل كثير بن عبد الرحمن على عزة؛ فقالت: ما ينبغي أن نأذن لك في الجلوس. قال ولم ذلك؟ قالت: لأني رأيت الأحوص ألين جانباً عند القوافي منك في شعره، وأضرع خداً للنساء وأنه الذي يقول:

يأيها اللائمي فيها لأصرمها ... أكثرت لو كان يغني عنك إكثار

أقصر فلست مطاعاً إذ وشيت بها ... لا القلب سالٍ ولا في حبّها عار

ويعجبني قوله:

أدور ولولا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور

وما كنت زوّاراً ولكنّ ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بدّ أن سيزور

لقد منعت معروفا أمّ جعفر ... وإني إلى معروفها لفقير

ويعجبني قوله:

كم من دنيٍّ لها قد صرت أتبعه ... ولو صحا القلب عنها كان لي تبعا

لا أستطيع نزوعاً عن محبّتها ... أويصنع الحبّ بي فوق الذي صنعا

أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني ... حتى إذا قلت هذا صادقٌ نزعا

وزادني رغبة في الحب أن منعت ... أشهى إلى المرء من دنياه ما منعا

وقوله:

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا

وما العيش إلاّ ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفنّدا

وإني لأهواها وأهوى لقاءها ... كما يشتهي الصادي الشراب المبرّدا

علاقة حبٍّ لجّ في سنن الصّبا ... فأبلى وما يزداد إلا تجدّدا

هذان البيتان ألحقهما الضبي وغيره بهذا الموضع من شعر الأحوص، وأنشدهما أبو بكر بن دريد لأعرابي.

فقال لها كثير: والله لقد أجاد فما استجفيت من قولي؟ قالت: فذلك قولك:

وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي ... وأظهرن مني هيبة لا تجهّما

يحاذرن مني غيرةً قد عرفنها ... قديماً فما يضحكن إلاّ تبسّما

تراهنّ إلاّ أن يؤدين نظرةً ... بمؤخر عينٍ أو يقلّبن معصما

كواظم ما ينطقن إلا محورة ... رجيعة قول بعد أن تتفهما

وكنّ إذا ما قلن شيئاً يسرّه ... أسرّ الرضا في نفسه وتجرّما

وقولك:

وددت وبيت الله أنك بكرة ... هجان وأني مصعب ثم نهرب

<<  <   >  >>