للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تخبرنك الكماة عن غدواتي ... في غداة الوغى أبا قابوس

فسلوا عامراً وعارض لمّا ... أن لقوا بالفجور والتدليس

أتروني أقرّ بالنّوم غمضاً ... يا عبيد الصليب والناقوس

وقال:

وإنّا لتصبح أسيافنا ... إذا ما اصطبحنا بيوم سفوك

منا برهنّ بطون الأكف ... وأغمادهنّ رؤوس الملوك

وما لي في الخلق من مشبهٍ ... ولا في اكتساب العلا من شريك

وقال يخاطب بني العباس:

بني عمنا لا توقدوا نار فتنة ... بطيء على مرّ الليالي خمودها

بني عمّنا إنا وأنتم أناملٌ ... تضمّنها من راحتيها عقودها

بني عمّنا ولّيتم التّرك أمرنا ... بديئاً وأعقاباً ونحن شهودها

فأُقسم لا ذقت القراح وإن أذق ... فبلغه عيش أو يبار عميدها

وقال:

لهف نفسي على قصورٍ ببغدا ... د وما قد حوته من كلّ عاص

وخمور هناك تشرب جهراً ... ورجالٍ على المعاصي حراص

لست بابن الفواطم الزّهر إن لم ... أُقحم الخيل بين تلك العراص

وقتله الموفق بعد أن جرت له معه مواقعة عظيمة، وجرح الموفق جرحاً في صدره أشرف منه على الموت، ولذلك قال ابن المعتز:

شقّ الصفوف بسيفه ... وشفى حزازات الإحن

دامي الجراح كأنها ... وردٌ تفتّح في غصن

[ومن ملح النوادر]

قال الجاحظ: سمعت رجلاً يقول لآخر: ضربنا الساعة زنديقاً. قال: وأي شيء الزنديق؟ قال: الذي يقطع المزيقة. قلت: وكيف علمت أنه يقطع المزيقة؟ قال: رأيته يأكل التين بالخل.

وهذا كما قال النظام لرجل: أتعرف فلاناً المجوسي؟ قال: أعرفه، ذاك الذي يحلق وسط رأسه مثل اليهود. قال: لا مجوسياً عرفت ولا يهودياً وصفت.

باع مزيد المديني دابة، فلما كان من الغد أتاه النخاسون طمعاً، فلما نظر إليهم قد أقبلوا نحوه قام يصلي فأطال الصلاة، فقالوا له وهم لا يعفرونه: يا عبد الله؛ قد ذهب يومنا، فأطمعهم طول قيامه، وكان أحسن الناس سمتاً وأظهرهم هدياً، فانفتل من صلاته فقال: ما بالكم؟ فقد قطعتم علي صلاتي. فقالوا له: قد ظهر بالدابة عيب. قال: وما عيبه قالوا: يخلع الرسن. قال: لا أعرفه بهذه الصفة؛ فماذا تريدون؟ قالوا: خصلة من ثلاث؛ إما الحطيطة، وإما رد الثمن وأخذ الدابة، وإما اليمين بالله أنك ما تعرف هذا فيه.

فقال: أما الثمن فقد فرقناه، وأما الحطيطة فما تمكننا، وأما اليمين فإني ما حلفت قط على حق ولا على باطل، فاعفوني منها؛ فإنها أصعب الخطط عندي. قالوا: ما من ذلك بد؛ فانطلق بنا إلى الوالي. فقام معهم، فلما بصر به الوالي ضحك، وقال: ما جاء بك أبا إسحاق؟ فقص عليه القصة. فقال: قد أنصفك القوم. فقال: أعز الله الأمير، أحلف وأنا في هذه السن، وضرب يده على لحيته وبكى. وقال: ما حلفت على حق ولا على باطل والتوى. قال: لا بد، فالتوى ساعة؛ ثم قال: أصلح الله الأمير فإن حملت نفسي على اليمين وحلفت وأعنتوني بعد؟ قال: أوجعهم ضرباً، وأحبسهم. فلما سمع ذلك استقبل القبلة وقال: بلغت السماء، وكورت الشمس، ونثرت الكواكب، وشربت البحر، ولطعت ما في المصحف من الذكر الحكيم، وتوليت عاقر الناقة، وسرقت عصا موسى عليه السلام، ولقيت الله بذنب فرعون يوم قال: أنا ربكم الأعلى؛ وغير ذلك من محرج الأيمان، لقد كان عندي دواب كلها تخلع أرسانها، فكان هذا الحمار يقوم فيعديها عليها ويصلحها بفمه قليلاً قليلاً. فضحك الوالي حتى فحص برجليه، وبهت النخاسون، وعجبوا منه وانصرفوا عنه.

وقال بعض الشعراء:

سألوني اليمين فارتعت منها ... كي يغرّوا بذلك الارتياع

ثم أرسلتها كمنحدر السي ... ل تهادى من المحلّ اليفاع

قاض دفع مالاً لمن توجّه إليه باليمين

<<  <   >  >>