للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لما مات سليمان بن وهب لقي الناس عبيد الله بن سليمان يعزونه، فأتاه بعض أولاد الأشراف؛ فقال: مات سليمان؟ قال: نعم! وقال: ومات أبو علي قبله؟ قال: نعم! قال: ومات أبوهما؟ قال: نعم! قال: هذا كما قال الله تعالى: " وإنْ منكم إلا وارِدُها كان على ربك حَتْماً مقضيّاً "؛ " فأوردهم النار "، " وبئس القَرار ".

[بنو وهب من الظرفاء والكتاب]

وبنو وهب من ظرفاء الكتاب وأدبائهم، ولهم الرسائل الحسان، والشعر الجيد، وفيهم يقول أبو تمام:

كلّ شعب كنتم به آل وهبٍ ... فهو شعبي وشعب كلّ أديب

إنّ قلبي لكم كالكبد الحر ... رى وقلبي لغيركم كالقلوب

وكان الحسن بن وهب يهوى بنان جارية ابن حماد، وكان من ظريف أخباره معها: أن الواثق تقدم إلى إيتاخ باتخاذ حلتين من رفيع الوشي على صفة دفعها إليه وأمره بتعجيلهما؛ فتقدم إيتاخ في ذلك إلى سليمان بن وبه كاتبه، فجد في الحلتين حتى فرغ منهما الصانع وأحضرتا، فعرضتا على الواثق فاستحسنهما وأمر بقطعهما، فتشاغل عن قطعهما، وسأل أخاه الحسن بالنيابة عنه في ذلك، فقطع الحسن منهما قميصاً لبنان وانصرف إلى منزله فأحضرها وخلعه عليها وجلس يشرب معها. واتصل الخبر بسليمان، فقامت عليه القيامة وأمر بإحضار الوشائين وطلب شكلاً لهما فتعذر عليه، فابتاع حلةً تقاربهما بخمسة آلاف درهم وصدق إيتاخ عن خبره، فطلبهما الواثق فدافعه إيتاخ بهما، وتعلل عليه إلى أن فرغ الخياطون من الحلة التي ابتاعها سليمان بن وهب، وأحضرت للواثق، فلما لبسها أنكرها، ودعا إيتاخ فسأله عن السبب فصدقه، فضحك ضحكاً كثيراً، ودعا خادماً فأمره بإحضار الحس وبنان على الصورة التي يجدهما عليها، فأحضرهما في قبة، فلما رآهما الواثق قال للحسن: ويلك تأخذ ثوبي تقطعه لهذي بغير أمري؛ قال: أنت يا أمير المؤمنين تقدر على مثله، وأنا لا أقدر عليه، وأنا والله أحبها وأعجبني الثوب فتقربت منها به. فضحك ووصله وصرفهما.

وفيها يقول الحسن:

أقول وقد حاولت تقبيل كفّها ... وبي رعدةٌ أهتّزّ منها وأسكن

ليهنئك أني أشجع الناس كلّهم ... لدى الحرب إلاّ أنني عنك أجبن

وحضرت عنده يوماً وقرب منها ناراً فتأذت منها؛ فقال الحسن:

بأبي كرهت النار حتى أُبعدت ... فعلمت ما معناك في إبعادها

هي ضرّةٌ لك في التماع بهائها ... وهبوب نفحتها لدى إيقادها

وأرى صنيعك في القلوب صنيعها ... بسيالها وأراكها وعرادها

شركتك في كل الأمور بفعلها ... وضيائها وصلاحها وفسادها

قال أبو فراس: قال لي عبيد الله بن سليمان بن وهب وهو وزير: أنشدني مما تحفظه من شعر عمي أبي علي فأنشدته:

بنفسي وأهلي ساحر الطرف فاتره ... محكّمة أجفانه ومحاجره

فقال عبيد الله: لقد كان رحمه الله كثيراً ما يضع خده على خدي وأنا غلام وينشد هذا الشعر ويبكي. فقلت: يا سيدي، كان يتعشقها ليقول شعراً. ومن طبع كلامه قوله: شربت البارحة على وجه الجوزاء، فلما انتبه الفجر نمت، فما أفقت حتى لفحني قميص الشمس.

[تضمين أبيات مالك بن الريب]

وأنشدونا في تضمين أبيات مالك بن الريب المازني في قصيدته:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بذات الغضا أُزجي القلاص النواجيا

وسمعت من ينشدها لابن الرومي وأخلق بها أن تكون له:

تعرّض لي بعد القطيعة مالكي ... وأظهر فضلاً بعد ما كان جافيا

وقد كدّر الإنبات ماء شبابه ... فأصبح رنقاً بعد ما كان صافيا

فقلت له جرّعت بالشعر نسوة ... فقال أجل كلّ العيال رثى ليا

فمنهن أختي وابنتاها وخالتي ... وباكية أخرى تهيج البواكيا

فبينا يعاطيني الكلام بدا له ... حريفان عن بعدٍ فصاح مناديا

خذاني فجرّاني بدمعي إليكما ... فقد كنت قبل اليوم صعباً قياديا

معاوية بن مروان وحمار الرحى

<<  <   >  >>