للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخرج الربيع من عند أبي جعفر عبد الله المنصور فقال: أمير المؤمنين يسأل من يعرف من يشبهه من خلفاء بني أمية أن يذكر ما عنده، فقال أبو بكر بن عياش المنتوف: أنا أعرف ذلك، ولكن لا أقول إلا مشافهة، فدخل ثم خرج فقال: أمير المؤمنين يقول لك: قد علمت أنك إنما تطلب الدخول لتتوسل إلى أموالنا، فأدخل. فدخل فقال له: من أشبه من خلفاء بني أمية؟ فقال: عبد الملك بن مروان. قال: كيف قلت ذلك؟ قال: لأن أول اسمك عين وهو أول اسمه عين، وأول اسم أبيه ميم، وأول اسم أبيك ميم، وقتل ثلاثة أول أسمائهم عين وكذلك أنت، قال: ومن قتل؟ قال: عبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وعمرو بن سعيد بن العاص، وقتلت يا أمير المؤمنين عبد الرحمن بن مسلم يريد أبا مسلم الخراساني وعبد الجبار بن عبد الرحمن الخارجي، قال: وأردت أن أقول، وقتلت عبد الله بن علي عمك، فعرفت أنه يكره ذلك؛ لأنه أسقط عليه البيت الذي كان فيه، وادعى أن البيت سقط، وقد كان عيسى بن موسى يسام في نزع البيعة، وهو مضيق عليه، فقلت: وسقط الحائط على عبد الله بن علي. قال: فالحائط سقط عليه فما علينا؟ فقلت: لا شيء يا أمير المؤمنين. وها هنا حائط آخر مائل على عين أخرى وهو عيسى بن موسى إن لم تدعموه بفضلكم خفت أن يسقط. فضحك ثم قال: أولى لك.

وخرج المأمون منفرداً فإذا بأعرابي فسلم عليه. فقال: ما أقدمك يا أعرابي؟ قال: الرجاء لهذا الخليفة، وقد قلت أبياتاً أستمطر بها فضله، قال: أنشدنيها، قال: يا ركيك، أويحسن أن أنشدك ما أنشد الملوك؟ فقال: يا أعرابي، إنك لن تصل إليه ولن تقدر مع امتناع أبوابه وشدة حجابه، ولكن هل لك أن تنحلنيها، وهذه ألف دينار فخذها وانصرف ودعني أتوسل، لعلي أتوصل؟ قال: لقد رضيت، فبينما هما في المراجعة إذ أحدقت الخيل به وسلم عليه بالخلافة، فعلم الأعرابي أنه قد وقع، فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين؛ أتحفظ من لغات اليمن شيئاً؟ قال: نعم! قال: فمن يبدل القاف كافاً؟ قال: بنو الحارث بن كعب، قال: لعنها الله من لغة لا أعود إليها بعد اليوم. فضحك المأمون وأمر له بألف دينار.

[المأمون ومخارق]

وغنى مخارق بحضرة المأمون أبيات مسكين الدارمي وذهب عنه معناها وفيمن قيلت، وهي:

على الطائر الميمون والسعد إنّه ... لكلك أناسٍ أنجمٌ وسعود

ألا ليت شعري ما يقول ابن عامر ... ومروان أم ماذا يقول سعيد

إذا المنبر الغربيّ خلّى مكانه ... فإنّ أمير المؤمنين يزيد

وابن عامر هو عبد الله بن عامر بن كريز، ومروان بن الحكم بن أبي العاص، وسعيد بن العاص، وهؤلاء شيوخ بني أمية والمترشحون للخلافة بعد معاوية، وعمرو بن سعيد بن العاص هو الأشدق، وطلب الخروج على عبد الملك بن مروان فقتله. فلما بلغ مخارق إلى آخر البيت الأخير وهم أن يقول يزيد استيقظ، فقال: مخارق، فضحك المأمون وقال: لو قلت يزيد ما عشت.

[الملح تصرف المخاوف وتنقذ الملهوف]

وكم صرفت الملح من مخوف، وأنقذت من ملهوف. قال عيسى بن يزيد بن دأب: أرسل يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن جعفر في جارية له مغنية يسأله إياها؛ فقال له الرسول: أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك: فلانة أعجبتني، ويجب أن تؤثرني بها. فقال عبد الله لمولاه بديح المليح: أي شيء يقول؟ قال بديح: فقلت له: يقرئك السلام، ويقول: كيف بت في ليلتك هذه؟ قال: يقول عبد الله: أقرئ أمير المؤمنين السلام. فقال الرسول: ليس كذا قلت ولا له جئت. فقال: ما يقول؟ فأعاد بديح القول، فخرج الرسول مغضباً ومضى إلى يزيد فقال: يا أمير المؤمنين، بلغت ابن جعفر رسالتك وإلى جنبه رجل مجنون ما أدري كيف هو يحكي خلاف ما أقول! فقال: علي به، قال بديح: فذهب بي إليه، فلما دخلت شتمني وقال: تصنع هذا؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، متى عهدك بابن جعفر لا يسمع؟ إقباله علي يسألني منع لجاريته وبخل بها؛ كره أن يعطيكها لمحبته لها فما ذنبي أنا؟! فضحك يزيد وقال: لعل الشيخ ضنين بجاريته.

المأمون يشدد في الغناء

<<  <   >  >>