للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان الخوارزمي رافضياً غالياً؛ أخبرني من رآه بنيسابور وقد خرج سكران وقد كظه الشراب فطلب فقاعاً فلم يجده، فقال: أيعوزني الفقاع لما طلبته. فإذا كان يهتف بهذه الجملة لغير علة، فكيف به مع تفزيع العلل، وتوسيع الأمل، ممن يطابقه على كفره، ويوافقه في سره. وكان فاحشاً بذيئاً، مستخفاً جريئاً على ذوي الإنعام عليه، والإحسان إليه، قال إسماعيل بن عباد لما بلغه موته:

سألت بريداً من خراسان مقبلاً ... أمات خوارزميكم؟ قال لي: نعم!

فقلت اكتبوا بالجصّ من فوق قبره ... ألا لعن الرحمن من يكفر النّعم

[وسع قبيح في جبهة الخوارزمي]

وكان هجا بعض الملوك فظفر به فوسمه في جبهته سطرين فيهما شطران بأقبح هجاء، فكان يشد العمامة على حاجبيه ستراً عليهما. ولذلك قال البديع في مناظرته إياه وقد ذكر مجلساً طويلاً غنى المغني بحضرتنا:

وشبهنا بنفسج عارضيه ... بقايا اللطم في الخدّ الرقيق

فقال للحاضرين: أنا أروي الشعر الذي منه هذا البيت وهذا لا يرويه. فقلت: روايتي تخالف روايتك، وإذا أنشدتكها على روايتي ساءتك في استماعها، ولم يسرك مصنوعها. قال: وكيف روايتك؟ قال قلت:

وشبهنا بنفسج عارضيه ... بقايا الوسم في الوجه الصفيق

فلما أضجرته النكتة، أخذته السكتة، فخمدت ناره، ووقف حماره.

[بين البديع والخوارزمي]

وكان البديع رحمه الله، وهو أبو الفضل أحمد بن الحسين: قد أشرقه بريقه، ووعر عليه ما سهل من طريقه. وكان الخوارزمي يرميه ببغض علي رضوان الله عليه، ويشنع علي بذلك ويغري به الطالبيين:

يقولون لي لا تحبّ الوصيّ؟ ... فقلت الثّرى بفم الكاذب

أُحبّ النبيّ وآل النبيّ ... وأختص آل أبي طالب

وأُعطي الصحابة حقّ الولاء ... وأجري على سنن الواجب

فإن كان نصباً ولاء الجميع ... فإني كما زعموا ناصبي

وإن كان رفضاً ولاء الوصيّ ... فلا برح الرّفض من جانبي

فلله أنتم وبهتانكم ... ولله من عجب عاجب

وإن كنتم من ولاء الوصيّ ... على العجب كنت على الغارب

يرى الله سرّي إذا لم تروه ... فلم تحكمون على الغائب

ألا تبصرون لرشدٍ معي ... ولا تهتدون إلى الله بي

أعزّ النبيّ وأصحابه ... فما المرء إلاّ مع الصاحب

أيرجو الشفاعة من سبّهم؟ ... بل المثل السوء للضارب

حنانيك من طمع باردٍ ... ولبيك من أملٍ كاذب

له في المكاره قلب الجبان ... وفي الشبهات يد الحاطب

[كتاب البديع إلى بعض الرؤساء]

وكتب البديع إلى بعض الرؤساء وذكر الخوارزمي: ما ألوم هذا الفاضل على نشر شر طواه، وموقد حرب اجتواه، ولكني ألومه على ما نواه، ولم يتبع فيه هواه، ورامه، ولم يبلغ تمامه. وأقول: قد ضرب فأين الإيجاع؟ وأنذر فأين الإيقاع؟ وهذه بوارقه، فأين صواعقه؟ وذاك وعيده، فأين عديده؟ وتلك بنوده، فأين جنوده؟ وأنشد:

هذي معاهده فأين عهود

ما أهول رعده، لو أمطر بعده! اللهم لا كفران، أراه أشفق لغريب أن يظهر عواره، وإن طار طواره، فإن كان قصد هذا القصد فقد أساء إلى نفسه من حيث أحسن إلي، وأجحف بفضله من حيث أبقى علي، وأوهم الناس أنه هاب البحر أن يخوضه، والأسد أن يروضه، وشجعني عن لقائه، بعد أن فزعن بإيمائه، فبينا كنت أنشد: إن جنبي عن الفراش لنابي إذ أنشدت: طاب ليلي وطاب فيه شرابي، وبينا كنت أقول: ما لقلبي كأنه ليس مني إذ قلت: أين من كان موعداً لي بأني.

[من مساجلات البديع والخوارزمي]

وبين البديع والخوارزمي مراسلات ومساجلات، ومجالس ظريفة ومقامات، في ابتداء وجواب، أخذت بوصل الحكمة وفصل الخطاب، ومن الهزل والجد.

<<  <   >  >>